لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم سيتحرك بهم، لو أنه رأى من أحوالهم أنهم مجرد جماهير متحمسة، لم تجند نفسها بعد للدعوة. ولم يكن سيعتبر أن القاعدة قد اتسعت بتلك الجماهير المتحمسة التي آمنت - نعم - ولكنها لم تجند نفسها لاحتمال التكاليف.

* * *

متى جند الأنصار أنفسهم للدعوة؟

قلنا من قبل: إن النار التي اصطلى بها المؤمنون في مكة، هي النور الذي استضاء به الأنصار في المدينة، فجاءوا يعرضون أنفسهم لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والدين الجديد.

لقد جاءوا بقدر من الله - نعم - ولكن بسنة من سنن الله كذلك.

إن وجود النموذج الواقعي، الذي يشهد للدعوة الجديدة، هو النواة التي يحدث حولها التجمع، ويحدث التجمع تلقائياً حول النواة ((الأم)) ، ثم يتسارع بعد ذلك، كلما زاد حجم النواة. سنة ربانية في الكون المادي وفي حياة البشر سواء!

والنواة الأم كانت هي الجماعة المؤمنة التي تكونت في مكة حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي شكلها الوحي المنزل من عند الله، وصقلها المربي العظيم صلى الله عليه وسلم بما أضفى عليها من روحه، وأعطاها من جهده، وتابع نموها بصبره وجلده وسعة صدره وحكمته وبصيرته. ثم جاءت الابتلاءات فزادتها صقلاً وصلابة وقرباً من الله.

ومن خلال ((كفوا أيديكم)) تكونت النواة الأم التي صنعت التاريخ!

ولو كان المؤمنون قد دخلوا في معركة مع قريش في مكة، لتأخر كثيراً تكون النواة الأم، ولتغيرت كثيراً صفاتها التي اكتسبتها، وذلك فوق الغبش الذي كان سيصيب قضية لا إله إلا الله، حين تتحول إلى قضية ضارب ومضروب، وغالب ومغلوب، ولتأخر كذلك التجمع الصلب حول النواة الصلبة المصقولة المتينة البناء.

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015