والآن فلنستعرض ما تم حتى الآن من خلال ((كفوا أيديكم)) .
ولقد تمت أمور على غاية من الأهمية في مسيرة الدعوة.
تم تحرير موضع النزاع، إن صح التعبير. إنه قضية ((لا إله إلا الله)) دون غيرها من القضايا.
ليس الصراع الدائر بين قريش وبين المؤمنين على سيادة أرضية، ولا على السلطة السياسية (وقد عرضت السلطة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأباها، وأصر على لا إله إلا الله، والمؤمنون من جانبهم لم يتحركوا حركة واحدة، تهدف إلى الاستيلاء على السلطة)) .
ليس الصراع على ((شرف)) سدانة البيت، ولا ((وجاهة)) خدمة الحجيج.
ليس على القوة الاقتصادية التي تملكها قريش وحدها دون المؤمنين، وتحارب المؤمنين من خلالها بالحصار والتجويع، والمؤمنون لا يتعرضون لها من قريب ولا بعيد.
الصراع كله على القضية الكبرى التي هي - والتي يجب أن تكون دائماً - القضية الأولى، والقضية الكبرى في حياة الإنسان، قضية من المعبود؟ ومن ثم من صاحب الأمر؟ من المشرع؟ من واضع منهج الحياة؟ قريش تريدها حسب أهوائها وخيالاتها وموروثاتها وأعرافها، والمؤمنون حول رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدونها لله.
وتم تركيز الجهد وتوفيره لتربية القاعدة الصلبة، التي ستحمل البناء (?) .
وتم تحرير قضية ((الشرعية)) ، بتفصيل الآيات واستبانة سبيل المجرمين.
وتم أخيراً اتساع القاعدة بالجنود الذين استضاءوا بالنار التي اكتوى بها أهل النواة الأم، فتجمعوا بقدر من الله، وبحسب سنة من سنن الله، حول تلك النواة، مضيفين إليها قوة حقيقية في الصراع.
ثم تم أمر آخر بالغ الأهمية كذلك، هو التجرد لله.