مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (الحج: 78) .
* * *
ثم جاء الفكر الصوفي على خط مواز للفكر الإرجائي، وإن كان على نحو آخر.
الفكر الإرجائي أخرج العمل كله من مسمى الإيمان، أما الفكر الصوفي فقد ركز على نوع واحد من العمل، وأخرج سائر أنواعه من مستلزمات الإيمان. ركز على العبادة بمعناها الضيق المحصور في الشعائر التعبدية والذكر، وأهمل من أنواع العبادة عمارة الأرض بمقتضى المنهج الرباني، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، وكلها منصوص عليه نصاً واضحاً في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (الحج: 41) . {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ} (النساء: 74) . {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (آل عمران: 141 - 142) . {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ
وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (الملك:15) . {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} (هود: 61) .
إن الذكر مطلوب، ولا عبادة بغير ذكر، ولكن الذكر الذي وصفه الله في كتابه، ووصف به الصحابة رضوان الله عليهم في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} (آل عمران: 191) . شيء آخر مختلف عن هذا الذكر الذي ابتدعته الصوفية، وحصرت العبادة فيه، وزعمت أنه هو الذي يوصل إلى رضوان الله، فضلاً عما وقع في عقيدة الاتحاد والحلول ووحدة الوجود من شرك صريح.
وأيا كانت الأسباب التي أدت إلى تفشي الفكر الصوفي، وجعلته في وقت من