كيف ندعو الناس (صفحة 145)

وأيا كانت الأسباب التاريخية التي أدت إلى تفشى الفكر الإرجائي، فقد أحدث مفاسد عظيمة في بنية الأمة منذ أخذت تتفلت من التكاليف، ثم يوهمها الفكر الإرجائي أنه لا بأس عليها من هذا التفلت، ما دام قلبها عامراً بالإيمان! وتندرج الأمة في التفلت حتى تقع في الشرك الواضح الصريح، سواء شرك الاعتقاد أو شرك العبادة أو شرك الحاكمية، ثم يظل الفكر الإرجائي يوهم الناس أنهم ما زالوا بخير، وما زالوا مؤمنين!

ولنتخيل مدرسة يحضر إليها الطلاب للدراسة، ثم بعد حين يتفلتون من استذكار دروسهم، ثم يتفلتون حتى من حضور الدروس، ويقال لهم مع ذلك: لا بأس عليكم ما دام كان في نيتكم أن تحضروا، وإنما تقاعستم عن الحضور كسلا لا جحوداً! وما دامت أسماؤكم ما زالت موجودة في سجلات المدرسة ولم تطلبوا سحبها من السجلات!

هل يمكن إنجاز شيء في واقع الأرض بهذه الروح المتقاعسة المتواكلة التي تعيش في خدر الوهم وتحسب أنها على شيء حقيقي؟

فإن لم يكن يمكن أن يتم شيء على الإطلاق بهذه الروح، فهل يمكن أن يقوم الإسلام بالذات بمثل هذه الروح، وهو الذي نزل ليكون حركة شاملة تشمل الحياة كلها بجميع جوانبها وجميع مجالاتها، وتشمل الأرض كلها، والبشرية كلها، بقدر ما يصل الجهد، وبقدر ما قدر الله في سابق علمه؟

هل يمكن إزالة الفتنة التي هي عقائد فاسدة ونظم فاسدة وجيوش تحمي العقائد والنظم الفاسدة، بمجرد التصديق والإقرار؟ هل يمكن إزالة الفتنة التي تقع على البشر في الجاهلية، بسبب الجاهلية ذاتها، بغير جهاد في واقع الأرض: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} (الأنفال: 39) .

إن هذا المرض بالذات - مرض الإرجاء - إن أصاب أية أمة من أمم الأرض، فما كان ينبغي أن يصيب أمة الإسلام، التي أخرجت للريادة، والشهادة على كل البشرية: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015