الأوقات هو مدخل العامة الوحيد إلى الدين أو مدخلهم الرئيسي إليه، فقد أحدث هذا الفكر مفاسد كثيرة في بنية الأمة، ليس أقلها التواكل، وترك الأخذ بالأسباب، وإهمال عمارة الأرض، والانحراف في عقيدة القضاء والقدر، وعدم إحساس الإنسان بمسئوليته عن خطئه حين يخطئ، والانصراف عن الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والفصل بين الدنيا والآخرة، وبين العمل للدنيا والعمل للآخرة في حس المسلم، وإفساد التوازن الدقيق الجميل الذي يحدثه الإسلام الصحيح في النفس، فيجعل الإنسان يعمل بجهده كله في واقع الأرض، وقلبه معلق بالله واليوم الآخر، أو بعبارة أخرى التوازن الدقيق بين عالم الغيب وعالم الشهادة.
* * *
ثم كان انحصار الإسلام في عالم الفرد بمفرده وترك ((الأمور العامة)) التي كلف الله بها الجماعة المسلمة من الأمراض التي أصابت الأمة في مسيرتها التاريخية الطويلة.
إن هذا الدين لم ينزل فقط لإصلاح الأفراد، كل فرد بمفرده، وإن كان هذا هو الأساس الذي لا يقوم بدونه بنيان، ولكن إصلاح كل فرد بمفرده لا ينشئ بذاته مجتمعاً صالحاً كما قد يخيل للإنسان لأول وهلة، فلو تخيلت بناءً كل لبنة فيه سليمة بذاتها، ولكن ليس فيه الملاط الذي يربط اللبنات بعضها ببعض، فلن يكون بناء حقيقياً يصمد للهزات وما أكثرها في حياة الأمم بل الأفراد، بل لا يصمد للريح، وما أكثر الرياح العواتي!
ولقد ركز هذا الدين تركيزاً واضحاً على الجماعة المسلمة بل على الأمة المسلمة المترابطة المتماسكة المتراصة، لا في العواطف الوجدانية فحسب، بل في العمل والتكاليف كذلك، وكثير من الخطاب الموجه للمؤمنين، الذي يبدأ بقوله تعالى ((يا أيها الذين آمنوا.)) لا يقصد به الأفراد فحسب، كل فرد بمفرده، ولكن يقصد به الجماعة مجتمعة ومشتركة في المسئولية: " {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} (المائدة: 51) . {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ