ولا يحسبن أحد - بادئ ذي بدء - أن القاعدة الصلبة التي تقع عليها مهام الدعوة قد أنزلت من السماء، مبرأة من العيوب! كلا إنها جزء من هذه الأمة تعيش نفس ظروفها، وتتعرض لذات أمراضها. ولكن إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا» . (?) فلنقل: إنه في الجاهلية الجزئية التي قال ابن تيمية رحمه الله إنها توجد في كثير من أقطار الإسلام، يوجد ((خيار)) يمكن بالجهد اللازم الذي يبذلونه في ذوات أنفسهم أن يشكلوا نواة للحركة، ثم ((خيار)) آخرون يمكن بالجهد اللازم كذلك أن يشكلوا القاعدة الموسعة التي تتكون حول النواة وتقتدي بها، ثم يأتي بعد ذلك دور عامة الناس، فيكون منهم خيار بقدر من الله يستجيبون ويلتزمون، وآخرون يزعهم السلطان إذا لم يزعهم القرآن.
والآن فلننظر في أحوال هذا الجيل الذي توجه إليه الدعوة. ما الذي أوصله إلى حالة الغثاء التي يعيش فيها، ليتبين لنا من أين نبدأ علاجه، وليتبين لنا كذلك الخطوات اللازمة للعلاج.
هناك أمراض كثيرة في الحقيقة أصابت الأمة في مسيرتها التاريخية، بعضها جاء من داخلها، وبعضها جاء من قبل أعدائها. وقد يكون من الصعب إحصاؤها تفصيلاً، ولكنا نزعم أن هناك أمراضاً بارزة لا تخطئها عين الفاحص.
من أبرز هذه الأمراض الفكر الإرجائي، الذي يقول إن الإيمان هو التصديق القلبي والإقرار باللسان، وإن العمل ليس داخلا في مسمى الإيمان!
فأما أن التصديق القلبي والإقرار باللسان لازمان لإثبات الإيمان فأمر لا خلاف عليه، وأما أن العمل لا يدخل في مسمى الإيمان فبدعة خطيرة، وانحراف شديد عن حقيقة هذا الدين، الذي قام - وما يمكن أن يقوم - بغير عمل وجهد ضخم، يبذل في واقع الأرض، وما كان يمكن أن تزول غربة الإسلام التي كان فيها أول مرة (?) بمجرد التصديق والإقرار، بل لا يمكن أن يقوم أي نظام في الأرض فضلاً عن أفضل النظم كافة، بمجرد التصديق والإقرار، بل لا يمكن أن يقوم أي نظام في الأرض فضلاً عن أفضل النظم كافة، بمجرد التصديق والإقرار، إن لم يبذل عمل معين لتحويل هذا التصديق القلبي والإقرار اللساني إلى واقع مشهود!