والبصيرة، منها جزء يكتسب بالتعليم، أي التعرف على السنن الربانية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتدبر التاريخ وأخذ العبرة منه. والتعرف على أحوال الأمة الحاضرة والأسباب التي أدت إلى الواقع الذي تعيشه الأمة في وقتها الحاضر. والتعرف على مخططات الأعداء، والطرق التي يتخذونها لمقاومة الإسلام ومحاولة القضاء على الحركة الإسلامية.
ومنها جزء يكتسب بالخبرة من التجارب التي تمر بها الحركة، والنتائج التي تترتب على كل تحرك.
ومنها جزء يكتسب بالتربية، عن طريق المشاورة التي تتم بين القائد وأعوانه، والتي يتم فيها تمحيص الآراء وبيان وجهات النظر، لا التي تتم صورياً بين عدد محدد من الرجال، بين ضغط السمع والطاعة، والتهديد بالإخراج من الجماعة للذين يتكرر منهم الاعتراض!
وحين لا توجد هذه البصيرة، أو حين تكون ناقصة، يحدث كثير من التخبط الذي يحدث في واقعنا المعاصر!
* * *
تلك بعض المواصفات الضرورية في بناء القاعدة، فهل استكملناها حقاً؟
إنه يجب أن يكون في حسناً ابتداء أننا لا نهدف إلى مجرد إقامة جماعة تؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر، وتؤدى الشعائر التعبدية على صورة من الصور، ثم تقوم بالدعوة. إن هذا يكون عملاً مبروراً في ذاته، مأجوراً إن شاء الله يوم القيامة، ولكنه ليس هو الذي ينقذ الأمة الإسلامية مما هي فيه، ولا هو الذي يعطي النموذج الذي يحول الجاهلية عما هي فيه!
والمطلوب الحقيقي من العمل الإسلامي هو هذا على وجه التحديد: إنقاذ الأمة الإسلامية مما هي فيه، ومحاولة تحويل الجاهلية عما هي فيه.
وهذا الهدف لا يتحقق إلا بإنشاء جماعة على مستوى فائق، على النسق الذي قامت به الجماعة الأولى على يد المربي الأعظم عليه صلوات الله وسلامه، وإن لم تكن على ذات المستوى، الذي قد يتعذر الوصول إليه في أي جيل من الأجيال.