قام عمر رضي الله عنه على المنبر فقال: أيها الناس اسمعوا وأطيعوا! فقال له سلمان الفارسي رضي الله عنه: لا سمع لك علينا ولا طاعة! قال عمر: ولمه؟ قال: حتى تبين لنا من أين لك هذا البرد الذي ائتزرت به وأنت رجل طوال لا يكفيك برد واحد، كما نال بقية المسلمين! فنادى عمر ولده عبد الله فقال له: نشدتك الله! هذا البرد الذي ائتزرت به أهو بردك؟ قال عبد الله رضي الله عنه: نعم! هو بردي أعطيته لأبي ليأتزر به، لأنه رجل طوال لا يكفيه البرد الذي ناله كبقية المسلمين! فيقول سلمان رضي الله عنه: الآن مر! نسمع ونطع!
هذا وعمر رضي الله عنه أمير المؤمنين، وليس أمير جماعة من الجماعات الإسلامية!
ترى كم أميراً من أمراء الجماعات الإسلامية يطيق أن يوجه إليه النقد من أحد أتباعه؟ وكم أميراً يرجع إلى الحق حين يكون الذي وجهه إليه أخ من اخوته في الله، فضلاً عن جندي من جنوده؟!
وحين نكون متجردين لله لا تكون ذواتنا محور اهتمامنا ولا محور تحركنا، ولا نحس بالغيرة من بروز غيرنا - حين يبرز عن جدارة - ولا بالتفات الناس حوله وإعجابهم به أو إطرائهم له، ولا نعتبر ذلك انتقاصاً لمكانتنا أو عملاً عدائياً موجهاً ضدنا، ولا يدفعنا ذلك إلى محاولة الانتقاص منه أمام أتباعنا، لكي لا يتحول ((ولاؤهم)) عنا إلى ذلك ((المنافس)) الذي التف حوله الناس!
وحين نكون متجردين لله لا يكون ((الولاء)) لأشخاصنا أو لجماعتنا - الأولى أن نقول ((حزبنا)) - هو محك الحكم على صلاحية الآخرين وجدارتهم، بل يكون المحك هو المحك الرباني: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13) . وتكون طريقة الحكم على الآخرين هي الطريقة التي أمر بها الله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} (النساء: 135) . {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (المائدة: 8) .