كيف ندعو الناس (صفحة 131)

والفتنة ليست بالعذاب وحده، فهذه قد يحتملها كثيرون: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} (الأنبياء: 35) .

وفتنة الخير أخطر، لأنها تعصف بكثير من الناس، يصمدون في فتنة العذاب، ولكنهم لا يقوون على الصمود أمام إغراء المال والسلطة والجاه والمناصب وكثرة الأتباع والأعوان. فهل كل ما ثبت في محنة يصلح أن يكون لبنة في القاعدة الصلبة فضلاً عن أن يكون من قياداتها؟

وأضرب هنا مثلاً آخر أشرت إليه من قبل في كتاب واقعنا المعاصر:

الإخوة معنى من المعاني الجميلة التي يمكن أن يصاغ حولها الكلام المنمق المؤثر العذب، وهي من معاني الإسلام الأصيلة، ومن الركائز التي اهتم الرسول صلى الله عليه وسلم بترسيخها في القاعدة الصلبة التي أنشأها حين آخى بين المهاجرين والأنصار، فصارت أخوة أقوى في نفوسهم من أخوة الدم، وهي أوثق ما كانت توثقه الجاهلية العربية.

وكما قلت في كتاب (واقعنا المعاصر) : الإخوة يمكن ممارستها بسهولة والناس في سعة من أمرهم، فهي لا تكلف كثيراً في تلك الحالة، ولكن إذا ضاقت الطريق بحيث لا أستطيع أن أسير وأخي متجاورين، بل لا بد أن يتقدم أحدنا على الآخر، فهل أقدم نفسي أم أقدم أخي؟ ولا حاجة بنا للارتفاع إلى المستوى السامق الذي يضيق فيه الطريق أكثر، فتصبح الفرصة متاحة لواحد دون الآخر، إما أنا وإما أخي، فذلك مستوى غير ملزم، وهو الذي وصفه سبحانه وتعالى بقوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (الحشر:9) . والذي كان شيئاً عادياً في هذه القاعدة التي أنشأها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصبح اليوم شيئاً بعيد المنال.

* * *

ولكني أركز هنا على أمرين اثنين بالذات، مما تحتاج إليه القاعدة الصلبة التي يراد منها اليوم أن تواجه الجاهلية العاتية المحيطة بالإسلام من كل جانب: التجرد لله، والوعي: الحركي والسياسي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015