كيف ندعو الناس (صفحة 130)

الجماهيرية. ومع ذلك فهناك مواصفات ضرورية لا يقوم البناء بدونها مهما كلفنا توفيرها من الجهد ومن الزمن ومن المعاناة.

إننا لا نطالب أحداً أن يحلق في الآفاق العليا التي حلق فيها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمكن وقوة، فذلك أصلاً غير ملزم لأحد. وإن كان هناك أفراد على مدى التاريخ الإسلامي لم ينقطع مددهم قط، يرتفعون بأنفسهم إلى تلك الآفاق، ولكنا نطلب السير بالأقدام على أرض الالتزام، أو حتى قريباً منها، لكي يكون عملنا مقبولاً عند الله، ومؤهلاً بإذن الله للنجاح.

فما المواصفات المطلوبة في القاعدة الصلبة، التي تقوم بدورها بإنشاء القاعدة الجماهيرية وتوجيهها وتربيتها.

هل يصلح لها أي إنسان بمجرد أن يؤمن بالله واليوم الآخر، ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، ويكون من الخاشعين؟ إن هذه كلها مواصفات عظيمة، وكلها مطلوبة، ولكن على أي درجة هي مطلوبة؟ وهل هي وحدها المطلوبة بالنسبة للقاعدة الصلبة خاصة؟

ضربت فيما سبق مثلاً، أعيد الإشارة إليه هنا مرة أخرى. لو سألت إنساناً في الطريق: من الذي يرزقك؟ فسيقول بلا شك: الله! فلو أوذي في رزقه فقال: فلان من الناس يريد أن يقطع رزقي، فهل يكون الإيمان بتلك الحقيقة، وهي أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، قد تعمق في حسه حتى أصبح يقيناً قلبياً يترتب عليه سلوك؟ أم يكون في حاجة إلى تعميق إيمانه حتى يصل إلى درجة اليقين؟ وكذلك حقيقة أن الله هو الضار النافع، وهو المحي المميت: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} (العنكبوت: 10) .

هل يصلح هذا لبنة في القاعدة الصلبة التي تحمل البناء؟ وهل يثبت في الابتلاء، والابتلاء سنة من سنن الله: {الم} {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت: 1-3) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015