كيف ندعو الناس (صفحة 128)

تلك هي القاعدة الصلبة التي رباها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا دورها في التاريخ.

لم يكن إنشاؤها ترفاً، ولا كان الجهد الضخم الذي بذله رسول الله صلى الله عليه وسلم في تربيتها أمراً زائداً على الضرورة، بل كان بإلهام الله وعونه وتوفيقه، ألزم شيء لهذا الدين، وللشأن الهائل الذي أنزل الله من أجله هذا الدين.

والآن فلننتقل إلى واقعنا المعاصر، لنتعرف على صورته الحقيقية، وعلى موضع القدوة فيه من منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في تربية القاعدة الصلبة التي حملت أول مرة أعباء هذا الدين.

ما حال الجاهلية اليوم؟

يقول ابن تيمية رحمه الله: ((فأما بعدما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم، فالجاهلية المطلقة قد تكون في مصر دون مصر كما هي في دار الكفار، وقد تكون في شخص دون شخص، كالرجل قبل أن يسلم فإنه يكون في جاهلية وإن كان في دار الإسلام. فأما في زمان مطلق فلا جاهلية بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم فإنه لا تزال من أمته طائفة ظاهرين على الحق إلى قيام الساعة. والجاهلية المقيدة قد تقوم في بعض ديار المسلمين، وفي كثير من المسلمين)) (?) .

فإذا كان هذا في القرن الثامن الهجري والمسلمون بعد متمسكون بكثير من أمور دينهم، وإن كانوا مفرطين في كثير. فكيف لو رأى ابن تيمية رحمه الله واقعنا المعاصر. ماذا كان يقول فيه، وقد فشت بدعة التشريع بغير ما أنزل الله، والمنع والإباحة بغير ما أنزل الله، فأصبح تحكيم شريعة الله ممنوعاً بنصوص الدساتير، والمطالبة به جريمة تطير من أجلها الرءوس، ويعذب من أجلها الألوف ومئات الألوف في السجون. وأصبح عري النساء أصلاً من الأصول، وتحجبهن - كما أمر الله - بدعة منكرة تهاجمها وسائل الإعلام بشتى وسائل الهجوم. وأصبح ((القانون)) يحمي ارتكاب الفاحشة ما دام يتم برضى الطرفين، كأنما الطرفان -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015