المشاورة هي التي تولد فيهم الوعي وتنمية: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (يوسف:108) .
وواضح من سياق الآية أن البصيرة شيء قائم بذاته مطلوب بذاته إلى جانب الإيمان، الذي يعبر عنه في الآية بقوله تعالى: {وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} .
الإيمان مطلوب نعم، ولكن البصيرة مطلوبة كذلك، للتحرك بهذا الدين في عالم الواقع، لكي تؤتي الحركة ثمارها كاملة بإذن الله، ولا يتبدد الجهد كله أو جزء منه في حركة خاطئة، أو فيما لا طائل وراءه.
والمشاورة من القائد لأتباعه تعود الأتباع أن يفكروا بعقولهم في المواقف المختلفة، والآراء المختلفة، ليختاروا أصوبها وأليقها بالموقف الذي يراد اتخاذه، كما تعودهم كذلك على تحمل المسئولية، فالرأي مسئولية بجانب كونه أمانة. وحين تتكرر المشاورة، ويتكرر التفكير والتمحيص مع تحمل المسئولية يكون الإنسان قد أعد لمواجهة المواقف العملية حين يكون فيها، فلا تنفر مشاعره من المواجهة، ولا يتهيب المسئولية، وتلك هي الصفات المطلوبة في القائد الناجح. وليس كل إنسان بطبيعة الحال يكون قائدا ناجحاً. وإنك لن تتعرف على الشخص المؤهل لأن يكون قائدا ناجحا حتى تتيح الفرصة لمجموعة من الناس - الذين تقوم بتربيتهم - لكي يتلقوا التدريب المطلوب، فتتضح مقدرتهم ويبرز منهم من هو مؤهل للبروز. أما إذا ربيتهم على السمع والطاعة في الأمور كلها، فلن يتهيأ لأحد أن يكتسب الخبرة المطلوبة، وحين تسند إليها المسئولية يضطربون ثم يفشلون، وتنتكس المسيرة على أيديهم بعد ذهاب القائد المحنك، ولو كانوا في حياة القائد من الجنود المخلصين.
ومن هنا يتضح حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على مشاورة أتباعه، وهو الغني عن المشاورة، لأنه كان يعدهم - على علم - لأن يكونوا من بعده قادة محنكين، أو في القليل مستشارين صائبي الرأي، لتستمر المسيرة بعده ولا تتوقف، ولا تنتكس بعد غياب القائد الملهم العظيم.
* * *