والذي يترجح لي أن الحديث مما وضعه بعض الجهال من أهل السنة في الرد على مبالغات الشيعة في جعل يوم عاشوراء يوم حزن وحداد , فجعله هؤلاء يوم اكتحال واغتسال , وتوسعة على العيال!!
وكثير من المفاهيم المغلوطة , والبدع المنتشرة بين جماهير المسلمين , ترجع إلى أحاديث ضعيفة راجت في عصور التخلف بينهم , وتمكنت من عقولهم وقلوبهم , وطاردت الأحاديث الصحاح التي يجب أن تكون ـ بجوار القرآن الكريم ـ أساس الفهم والسلوك , كما بين ذلك الإمام الشاطبي في " الاعتصام ".
ولشيخ الإسلام ابن تيمية - رَحِمَهُ اللهُ - كلام ناصع في بيان المراد بقول العلماء: يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال أو في الترغيب والترهيب , قال: « ... مَا عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ مِنَ العَمَلِ بِالحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الأَعْمَالِ لَيْسَ مَعْنَاهُ إثْبَاتُ الاِسْتِحْبَابِ بِالحَدِيثِ الذِي لاَ يُحْتَجُّ بِهِ، فَإِنَّ الاِسْتِحْبَابَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَلاَ يَثْبُتُ إلاَّ بِدَلِيلِ شَرْعِيٍّ وَمَنْ أَخْبَرَ عَنْ اللَّهِ أَنَّهُ يُحِبُّ عَمَلاً مِنْ الأَعْمَالِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَقَدْ شَرَعَ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ، كَمَا لَوْ أَثْبَتَ الإِيجَابَ أَوْ التَّحْرِيمَ، وَلِهَذَا يَخْتَلِفُ العُلَمَاءُ فِي الاِسْتِحْبَابِ كَمَا يَخْتَلِفُونَ فِي غَيْرِهِ بَلْ هُوَ أَصْلُ الدِّينِ المَشْرُوعِ.
وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ العَمَلُ مِمَّا قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ مِمَّا يُحِبُّهُ اللَّهُ أَوْ مِمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ بِنَصِّ أَوْ إجْمَاعٍ، كَتِلاَوَةِ القُرْآنِ، وَالتَّسْبِيحِ وَالدُّعَاءِ، وَالصَّدَقَةِ وَالعِتْقِ، وَالإِحْسَانِ إلَى النَّاسِ، وَكَرَاهَةِ الكَذِبِ وَالخِيَانَةِ؛ وَنَحْوِ ذَلِكَ ... فَإِذَا رُوِيَ حَدِيثٌ فِي فَضْلِ بَعْضِ الأَعْمَالِ المُسْتَحَبَّةِ وَثَوَابِهَا وَكَرَاهَةِ بَعْضِ الأَعْمَالِ وَعِقَابِهَا: فَمَقَادِيرُ الثَّوَابِ وَالعِقَابِ وَأَنْوَاعُهُ إذَا رُوِيَ فِيهَا حَدِيثٌ لاَ نَعْلَمُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ جَازَتْ رِوَايَتُهُ وَالعَمَلُ بِهِ بِمَعْنَى: أَنَّ النَّفْسَ تَرْجُو ذَلِكَ الثَّوَابَ، أَوْ تَخَافُ ذَلِكَ الْعِقَابَ، كَرَجُلِ يَعْلَمُ أَنَّ التِّجَارَةَ تَرْبَحُ لَكِنْ بَلَغَهُ أَنَّهَا تَرْبَحُ رِبْحًا كَثِيرًا فَهَذَا إنْ صَدَقَ نَفَعَهُ، وَإِنْ كَذَبَ لَمْ يَضُرَّهُ.
وَمِثَالُ ذَلِكَ التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ بِالإِسْرَائِيلِيَّاتِ وَالمَنَامَاتِ وَكَلِمَاتِ السَّلَفِ وَالعُلَمَاءِ وَوَقَائِعِ العُلَمَاءِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يَجُوزُ بِمُجَرَّدِهِ إثْبَاتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، لاَ اسْتِحْبَابٍ