في عباده، ودأب الأمم وعاداتهم لا سيما في مثل هذه الحادثة العظيمة التي طبق الخافقين خبرها، واستطار في جميع ديار الإسلام شررها، وأطلع فيها النفاق ناصية رأسه، وكشر فيها الكفر عن أنيابه وأضراسه، وكاد فيها عمود الكتاب أن يُجتث ويخترم، وحبل الإيمان أن ينقطع ويصطلم، وعقر دار المؤمنين أن يحل بها البوار، وأن يزول هذا الدين بإستيلاء الفجرة التتار. وظن المنافقون والذين في قلوبهم مرض أن ما وعدهم الله ورسوله إلا غرورا، وأن لن ينقلب حزب الله ورسوله إلى أهليهم أبدا، وزين ذلك في قلوبهم، وظنوا ظن السوء وكانوا قوما بورا، ونزلت فتنة تركت الحليم فيها حيران، وأنزلت الرجل الصاحي منزلة السكران، وتركت الرجل اللبيب لكثرة الوسواس ليس بالنائم ولا اليقظان، وتناكرت فيها قلوب المعارف والإخوان، حتى بقي للرجل بنفسه شغل عن أن يُغيث اللهفان. ومّيز الله فيها أهل البصائر والإيقان من الذين في قلوبهم مرض أو نفاق وضعف إيمان، ورفع بها أقواما إلى الدرجات العالية، كما خفض بها أقواما إلى المنازل الهاوية، وكفر بها عن آخرين أعمالهم الخاطئة، وحدث من أنواع البلوى ما جعلها قيامة مختصرة من القيامة الكبرى.

فإن الناس تفرقوا فيها ما بين شقي وسعيد، كما يتفرقون كذلك في اليوم الموعود، وفر الرجل فيها من أخيه وأمه وأبيه، وإذ كان لك امرئ منهم شأن يغنيه. وكان من الناس من أقصى همته النجاة بنفسه؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015