كان الشافعي رحمه الله أيضاً يقسم وقته، وكان يحضر الصبح في جامع عمرو بن العاص حينما كان في مصر، بعد الفجر مباشرة يأت أهل القرآن، أي: أصحاب التفسير والقراءات فيجلس معهم إلى أن تطلع الشمس، وبعد أن تطلع الشمس يأت أهل الحديث الذين يتكلمون في الحديث وعلومه وما إلى ذلك، فإذا ارتفعت الشمس قاموا واستوت الحلقة للمناظرة والمذاكرة، فيبدأ يناظر الناس، ويذاكر للناس في أمور فقهية، فإذا ارتفع الضحى جداً جاء أهل العربية والشعر والنحو حتى يقترب نصف النهار، وبعد صلاة الظهر يرجع إلى بيته في الفسطاط ليأخذ القيلولة، وبعد ذلك يرجع مرة أخرى بعد العصر إلى تعليم الناس وهكذا كل يوم على هذا، حتى في لحظات مرضه الشديد كان يفعل ذلك، ونحن في هذا الوقت نتأفف إما من البرد أو غيره، لكن الشافعي رحمه الله كانت عنده بواسير في آخر حياته وكانت شديدة النزف، حتى إنه كان إذا ركب الجواد يقطر دماً على الجواد مما أصابه من البواسير، وكان يذهب ويرجع وهو شديد العلة ليأتي بدرسه ولا يفوته رحمه الله؛ ولهذا فإنا نجد إنجازات شبه خيالية في حياة هؤلاء حقيقة.
فهؤلاء الناس بالفعل أثْروا التاريخ الإسلامي، وجعلوا التاريخ الإسلامي غرة في جبين الإنسانية حقيقة، ونريد أن نساهم في هذا التاريخ، لا نريد أن نكون مجرد قارئين ولكن فاعلين، فبعد مائة سنة سيأتي من يتكلم علينا بالإيجاب لا بالسلب، فإياكم أن يقولوا: هؤلاء الناس كان جيلاً ضيع الأمة، ولكن كان جيلاً رفع الأمة بعد وقوع، وأصلح بعد فساد، وقاد الأمة بعد أن كانت الأمة مقادة قاد الآخرين بالإسلام.
فنريد أن نصنع التاريخ ونغير من وجه التاريخ ونكون من أسباب رفعة الأمة الإسلامية.