هذا سائل: يقول: أنت تشجع السهر؟ نحن قلنا: إن العلماء كانوا لا يكثرون من النوم، وأنا أشجع على السهر بشرطين، فإذا استطعت أن تأخذ بهما فلك أن تسهر كما تشاء: الشرط الأول: أن تشغل وقتك في هذا السهر بما هو نافع لك وللأمة، كما كان البخاري يسهر ليكتب علماً نستفيد منه إلى يومنا هذا وإلى يوم القيامة، فإذا كنت كذلك فاسهر واعمل علماً تستفيد منه الأمة إلى يوم القيامة، فلا بد أن يكون سهرك لعلم نافع.
وكان الشافعي رحمه الله يحب الليل للاستذكار؛ لأن في ذلك الوقت هدوءاً والناس نائمة، وعنده فرصة أن يفكر ويبدع ويحلل وينتج.
كذلك الإمام مالك رحمه الله كان يحب الليل ويسهر فيه ليحل مسائل فقهية كثيرة؛ فهو في النهار لا يستطيع ذلك؛ لأن الناس تجتمع عنده، وعنده أعمال أخرى تتعلق بالحياة المعيشة، فهناك أمور كثيرة من الممكن أن تشغله، لكن في الليل يكون عنده نوع من الهدوء ويفكر كما يريد.
إذاً: من كان وقته مستغلاً بالليل فليسهر.
وهذا هو الشرط الأول.
الشرط الثاني: ألا تضيّع فرضاً أو أولويات بسبب السهر، لا تسهر في العلم للأمة وللمسلمين ولنفسك إلى الساعة الثانية أو الثالثة بعد منتصف الليل ويذهب عليك فرض الفجر.
فلا نضيع فرضاً ولا أولوية، فلا أسهر في علم تطوعي إلى آخر الليل لأزداد من العلم؛ لأني دكتور أو مهندس أو كذا، ثم أذهب صباحاً إلى عملي الذي آخذ عليه مرتباً والذي هو معاشي وأنام هناك في العمل، لا، هناك أولويات، فأنا لو أستطيع أن أسهر دون أن أضيع فروضاً وأولويات فلا بأس، وفي نفس الوقت هذا السهر ينبغي أن يستغل استغلالاً ينفع ويفيد الأمة أفراداً وجماعات.
فإذاً: ليس هناك أي مشكلة في السهر، بل على العكس هذا السهر بهذه الشروط يكون محموداً، فالذي يسهر ويقوم الليل هل نذم ذلك فيه؟ لا؛ فالله عز وجل يقول: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:16] لا يستطيع النوم، فهو كلما أراد النوم قام ليصلي لله عز وجل ويستغفر ويذكر الله عز وجل، فهذه صفة حميدة، لكن بشرط ألا يضيع أموره الأخرى في حياته، ولا يكون هناك إسراف يجعلك تخل بأمور حياتك الأخرى، كأن تهمل الأسرة، أو تهمل العمل، أو تهمل أولادك، أو تهمل الوالد والوالدة، أو تهمل هموم الأمة الأخرى؛ لأن المسلم إنسان متوازن ومتكامل وشامل، فكل أمور الإسلام يأخذها، ومطلوب منه في كل زاوية عمل، ولعلنا نفرد محاضرة في هذه السلسلة للتخطيط، وأيضاً أحد الإخوة طلب أن نفرد محاضرة للتخطيط، يعني: كيف تخطط لحياتك؟ كيف تجمع بين هذه الأمور: وهي أن تكون عالماً وأباً صالحاً وأيضاً زوجاً صالحاً، وداعية إلى الله عز وجل، ومجاهداً في سبيل الله؟ نريدك أن تجمع كل هذه الأشياء، كذلك ينبغي معرفة ما الذي تقدمه، وما الذي تؤخره؟ هذا أمر في غاية الأهمية.