يسأل شخص آخر ويقول: هل القرآن والسنة مصدر للعلوم الطبيعية كالكيمياء والفيزياء، والعلوم الإنسانية كالإدارة والتنمية البشرية والتاريخ وغير هذا من العلوم؟ أقول: في الواقع أن الكتاب والسنة ليسا كتب كيمياء وفيزياء وطب وفلك، لكن توجد فيهما بإحكام شديد وبإعجاز عجيب ضوابط تحكم خط سير المسلمين، هناك أطر عامة وقواعد عامة في الكتاب والسنة لو أخذنا بها فإننا سنبدع كيفما أردنا أن نبدع، وبالطريقة التي نريد، بحيث لا يكون هناك تعارض مع هذه الضوابط، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها.
وبعض الناس يريد أن يبدع بغير هذه الضوابط فيضل، فمثلاً: في أمريكا يتزوج الرجل بالرجل كفعل قوم لوط عليه السلام، فهم جعلوه كقانون، فتراهم يذهبون إلى المحكمة لعقد مثل هذا الزواج، بل إن بعض الكنائس في بعض ولايات أمريكا أقرت هذا الأمر، ولكن بعد هذا الزواج أرادوا الأولاد فحُرموا من ذلك، فلجئوا إلى التبني، فتبنوا طفلاً بحيث يقوم أحد الزوجين في يوم بدور الأم وفي اليوم الآخر يقوم بدور الأب وهكذا، بل قاموا بأكثر من هذا حيث أرادوا أن يزرعوا بويضة ملقحة في الغشاء البروتيني في بطن الرجل؛ ليحمل.
انظر إلى انقلاب الفطرة عند هؤلاء الذين يقومون بهذه الأمور، وهم في عرف الناس علماء أفذاذ كما يقولون، وهناك أبحاث طويلة جداً، ولكن فيها تعارض شديد مع القرآن والسنة، ولا يستقيم لعالم مسلم أن يسير في هذا الاتجاه مطلقاً.
ولهم أبحاث يقولون فيها: إن شرب الخمر يقوي عضلة القلب، لكن جاء عن نبينا صلى الله عليه وسلم: (تداووا ولا تتداووا بحرام).
إذاً: أنا كمسلم عندي ضوابط في القرآن والسنة تحكمني، فلا يأت أحد إلى القرآن والسنة ويبحث فيهما عن علاج الأمراض الصدرية وعن علاج الأمراض النفسية، لا، بل هو كلام معجز، فكلام رب العالمين فيه أطر عامة، يقول الله سبحانه وتعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38].
ومن هذا المنطلق فأي عالم في أي فرع من فروع العلوم الحياتية لا بد أن يكون مطّلعاً على الكتاب والسنة في تخصصه، وهناك كتب في كل مجال، وبفضل الله عز وجل أصبحت المكتبة الإسلامية مكتبة هائلة عامرة، فإذا كان الشخص متخصصاً في الإدارة، فهناك كتب متخصصة في هذا الأمر، قام إداريون مسلمون متمكنون وأخرجوا القواعد الشرعية من الكتاب والسنة المختصة بالإدارة، وفصّلوا فيها وشرحوها، وقارنوها بغيرها من القوانين الوضعية الأرضية، وبينوا ما الذي يتماشى معها وما الذي يتعارض معها، وأخذوا ما يفيد من العلوم الوضعية، وتركوا ما يضر منها وهكذا.
فإذاً: هناك أطر عامة في كتاب الله وسنة رسوله، فعلى كل باحث في كل تخصص أن يعلم تمام العلم ما هي الأطر الشرعية لتخصصه في الكتاب والسنة، هذا أمر في منتهى الأهمية، بالإضافة إلى أننا نجد أحياناً في القرآن والسنة بعض الأشياء المعجزة التي تكون حجة على العالمين في أي فرع من فروع العلوم الحياتية.