ورأت عائشة رضي الله عنها شبابا يمشون ويتماوتون في مشيتهم، فقالت لأصحابها: " من هؤلاء؟ فقالوا: نساك، فقالت: كان عمر بن الخطاب إذا مشى أسرع، وإذا قال أسمع، وإذا ضرب أوجع، وإذا أطعم أشبع، وكان هو الناسك حقا "
وقال الفضيل بن عياض: "كان يكره أن يري الرجل من الخشوع أكثر مما في قلبه " (?) .
والخشوع يحصل بمعرفة الله -سبحانه- بأسمائه وصفاته. فإذا أدرك العبد عظمة الله وكبرياءه وقوته- سبحانه - واستقرت هذه المعرفة في قلبه فإنّ ذلك يظهر عليه في سلوكه وأقواله.
ولما كان العبد يتقلب في ملك الله ويرى آياته لا تنقطع.
أصابه التبلد والفتور فاحتاج من يوقظه كل حين، والصلاة خير موقظ فهي توقظه خمس مرات في اليوم والليلة.
والقلوب تتفاوت في الخشوع بحسب تفاوت معرفتها لمن خشعت له، وبحسب تفاوت مشاهدة القلوب للصفات المقتضية للخشوع؛ فمِنْ خاشع لقوة مطالعته لقرب الله من عبده، واطلاعه على سرِّه وضميره، المقتضي للاستحياء من الله تعالى ومراقبته في الحركات والسكنات. ومن خاشع لمطالعته لكماله وجماله، المقتضي للاستغراق في محبته، والشوق إلى لقائه ورؤيته. ومن خاشع لمطالعة شدة بطشه وانتقامه وعقابه، المقتضي للخوف منه.
وهو سبحانه جابر المنكسرة قلوبهم من أجله، وهو سبحانه وتعالى يتقرب ممن يناجيه في الصلاة ويعفر وجهه في التراب بالسجود، كما يتقرَّب من عباده الداعين له، السائلين له، المستغفرين من ذنوبهم بالأسحار، ويجيب دعاءهم، ويعطيهم سؤالهم، ولا جبرَ لانكسار العبد أعظم من القرب والإجابة. (?)
والخشوع يتأتى للقلب غالبًا إذا بذل العبد أسبابه، كما أنَّ القلب يقسو ويغفل إذا ترك أسباب الخشوع.