وتخيلي وأنتِ ترددين هذا الدعاء أنك تقفين بين يدي الله – سبحانه – وقد جمعت خطاياك منذ كلفتِ حتى متِ فإذا بها تبلغ زبد البحر، فإذا اليد تشهد، وإذا الرجل تشهد، وإذا اللسان يشهد، وإذا الجلد يشهد بما فعلت واكتسبت وأنت تنظرين للنار وتنظرين للخطايا وتتوقعين أنها سائقتك إلى النار , لا محالة، فتستغيثين بالله وتلجئين إليه فارة من ذنوبك تقولين بلهف وشفقة: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب".
وهذا أقصى حد للبعد تعرفينه!
ولا تكتفين بذلك بل تلحين في الدعاء وتقولين: "اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس"، وذلك خشية أن لا يكفيك بُعدً الذنوب عنك وخشية أن يدركك من ذلك شيء لعلمك بكثرتها.
وإنما اختير الثوب الأبيض دون غيره؛ لأن نقاء الأبيض الظاهر لا يكون إلا بالنقاء الحقيقي باطنًا، أما الألوان الأخرى فقد يظهر نقاؤها وهي في الحقيقة تحتفظ بشيء من الدنس في باطنها. ثم لا تكتفين بذلك بل تطلبين النقاء التام فتسألين الله أن يطهرك بالغسل بالماء والثلج والبرد.
تخيلي نفسك تلحين بهذا الدعاء يوم القيامة، فإذا تخيلت ذلك وأنت تقرئينه في الصلاة فستخشعين بلا ريب.
فإذا اعتادت نفسك هذا الدعاء وهذا الاستفتاح فاستبدليه بغيره كقوله: " الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلاً " (?) . وإذا قرأت هذا الاستفتاح فتذكري أن أبواب السماء تفتح له – كما ورد في الحديث أن رجلاً من الصحابة استفتح بها فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "عجبت لها فتحت لها أبواب السماء " (?) .