ولهذا عدّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من صلى وهذا حاله لم يصلِ حيث قال: " لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافع الأخبثين " (?) .
وأحذري أخيتي الشيطان فإنه يزين لك الصلاة بهذه الحال ليفوت عليك الخشوع، وذلك بأن يخوفك فوات الوقت تارة، ويخوفك إعادة الوضوء تارة أخرى. وأنتِ بين هذا وذاك تستسلمين للشيطان، وتكبرين وأنت تقولين ليست حاجتي ماسة، فإذا كبرت وألحت عليك حاجتك فلن تستطيعي دفعًا ولا صبرًا بل ستعجلين في صلاتك مفوتة الاطمئنان وهو من الأركان، والخشوع وهو لب الصلاة والمقصود منها، ولو أنك إذا رأيت من نفسك هذه العجلة في الصلاة وعدم الاطمئنان ألزمت نفسك إعادة الصلاة لتعلمت أن الصلاة التي يكون هذا شأنها ستعاد فتتركين الصلاة مع الحاجة، وتصلين بعد قضاء حاجتك بخشوع واطمئنان.
وسأنصحك بما يفيدك في التغلب على نفسك حين كسلها عن إعادة الوضوء والمبادرة للصلاة قبل انتقاض الوضوء.
أولاً: تذكري أنك إذا صليت بهذا الحال فكأنما لم تصل وأنك ستعيدين الصلاة, وذلك لما ورد في الحديث المتقدم "لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافع الأخبثين".
ثانيًا: عودي نفسك الوضوء بعد كل حدث. وفائدة ذلك إصابة السنة أولاً وقطع التحسر على وضوئك ثانيًا، فإنك إذا علمت أنك متوضئة بعد الحدث لا محالة سواء أردت الصلاة أم لا فإنك لن تهتمي بنقض الوضوء ولن تتحسر نفسك على وضوئك. وبذلك يزول من نفسك دافع اغتنام فرصة كونك على وضوء.
ثالثًا: باستحضار الأحاديث المرغبة في الوضوء وكثرته وإسباغه.
وأرجو أن تسألي الله بعد هذا كله بأن يمنَّ عليكِ بالخشوع بين يديه، فهي منَّة عظيمة من نالها نال السعادة والراحة والهناء.
فإذا خرج العبد من صلاته التي قد خشع فيها فكأنما خرج من نهر قد اغتسل فيه من جميع أدرانه.
والله المستعان.