به، وسألوه أن يَعْقِدَ لهم مجلسًا للإملاء، فأجابهم إلى ذلك، فقام المنادي ثانيًا في جامع البصرة، فقال: يا أهل العلم، لقد قدم محمَّد بن إسماعيل، فسألناه أن يَعْقِد مجلس الإملاء، فأجاب بأن يجلس غدًا في موضع كذا، فلما كان الغد حضر المحدثون والحفاظ والفقهاء والنظارة، حتى اجتمع قريب من كذا وكذا ألف نفس، فجلس أبو عبد الله للإملاء، فقال قبل أن يأخذ في الإِملاء: يا أهل البصرة أنا شابٌّ، وقد سألتموني أن أحدثكم، وسأحدثكم بأحاديث عن أهل بلدكم تستفيدونها، يعني ليست عندكم، فتعجب الناس من قوله، فأخذ في الإِملاء، فقال: حدثنا عبد الله بن عُثمان بن جَبَلة بن أبي رَوّاد ببلدكم، قال حدثني أبي، عن شعبة، عن منصور وغيره، عن سالم بن أبي الجعد، عن أنس بن مالك أن أعرابيًا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! الرجل يحب القوم .. الحديث، ثم قال: هذا ليس عندكم عن منصور يعني الذي ساقه هو عنه، إنما هو عندكم عن غير منصور، فأملى عليهم مجلسًا من هذا النسق، يقول في كل حديث: روى فلان هذا الحديث عندكم كذا، فأما من رواية فلان يعني التي يسوقها فليست عندكم.
قلت: هذه أعجب من قضية أهل بغداد السابقة لضبطه في هذه الرواية أن مِصْرًا عظيمًا مثل البَصْرة لم يرو أحد من أهله هذه الأحاديث عمن ساقها عنه.
وقال سليم بن مجاهد: قال لي محمَّد بن إسماعيل: لا أجيء بحديث عن الصحابة والتابعين إلا عرفت مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم، ولست أروي حديثًا من حديث الصحابة والتابعين -يعني من الموقوفات- إلا وله أصل أحفظ ذلك من كتاب الله وسنة رسوله.
وقال علي بن الحُسين بن عاصم: قدم علينا محمَّد بن إسماعيل،
فقال له رجل من أصحابنا: سمعت إسحاق بن راهَوَيه يقول: كأني انظر إلى سبعين ألف حديث من كتابي، فقال له محمَّد بن إسماعيل: أتعجب