من هذا القول، لعل في هذا الزمان من ينظر إلى مئتي ألف ألف من كتابه وإنما عنى نفسه.

وقال محمَّد بن حَمدويه: سمعت البخاري يقول: أحفظ مئة ألف حديث صحيح، وأحفظ مئتي ألف حديث غير صحيح، قال ورّاقه: سمعته يقول: ما نمت البارحة حتى عددت كم أدخلت في تصانيفي من الأحاديث، فإذا هو نحو مئتي ألف حديث، وقال أيضًا: لو قيل لي: تمن لما قمت حتى أروي عشرة آلاف حديث في الصلاة خاصة، وقال أيضًا: قلت له: تحفظ جميع ما أدخلت في مصنفاتك، قال: لا يخفى علي جميع ما فيها، وصنفت جميع كتبي ثلاث مرات، قال: وبلغني أنه شرب البلاذر، فقلت له مرة في خلوة: هل من دواء للحفظ، فقال: لا أعلم، ثم أقبل علي فقال: لا أعلم شيئًا أنفع للحفظ من نهمة الرجل، ومداومة النظر، وقال: أقمت بالمدينة بعد أن حججت سنة جردًا أكتب الحديث، قال: وأقمت بالبصرة خمس سنين معي كتبي، أصنف، وأحج، وأرجع من مكة إلى البصرة، قال: وأنا أرجو أن يبارك الله تعالى للمسلمين في هذه المصنفات، وقال البخاري: تذكرت يومًا أصحاب أنس فحضرني في ساعة واحدة ثلاث مئة نفس، وما قدمت على شيخ إلا كان انتفاعه بي أكثر من انتفاعي به. وقال ورّاقه: أعمل في الهبة كتابًا فيه نحو خمس مئة حديث، وقال: ليس في كتاب وكيع في الهبة إلا حديثان مسندان أو ثلاثة، وفي كتاب ابن المبارك خمسة أو نحوها، وقال أيضًا: ما جلست للتحديث حتى عرفت الصحيح من السقيم، وحتى نظرت في كتب أهل الرأي، وما تركت بالبصرة حديثًا إلا كتبته، قال: وسمعته يقول: لا أعلم شيئًا يحتاج إليه إلا وهو في الكتاب والسنة، قال: فقلت له: يمكن معرفة ذلك، قال: نعم.

وقال الحافظ أَحمد بن حَمدون: رأيت البخاري في جِنازة، ومحمد ابن يحيى الذهلي يسأله عن الأسماء والعلل، والبخاري يمر فيه مثل السهم كأنه يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015