ورواية سعيد عن ابن عباس: "لولا أنا محرمون لقبلناه منك" وقد مرَّ عند حديث أبي قتادة ما قيل في أكل المحرم لحم الصيد عند الأئمة، وما يمكن الجمع به بين الأحاديث، ولا يقال: إن حديث أبي قتادة منسوخ بحديث الصعب، لكون حديث أبي قتادة كان عام الحديبية، وحديث الصعب كان في حجة الوداع لأنا نقول: إن النسخ إنما يصار إليه إذا تعذر الجمع، كيف والحديث المتأخر محتمل لا دلالة فيه على الحرمة العامة صريحًا ولا ظاهرًا حتى يعارض الأول فينسخه؟! وقال ابن الهمام في فتح القدير: أما كون حديث الصعب كان في حجة الوداع لم يثبت عندنا، وإنما ذكره الطبري وبعضهم، ولم نعلم لهم فيه ثبتًا صحيحًا، وأما حديث أبي قتادة، فإنه وقع في مسند عبد الرزاق عنه: انطلقنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية، فأحرم أصحابه ولم أحرم، ففي الصحيحين عنه خلاف ذلك، وهو ما روى عنه أنه عليه الصلاة والسلام خرج حاجًا، فخرجوا معه، فصرف طائفة فيهم أبو قتادة الحديث، ومعلوم أنه عليه الصلاة والسلام لم يحج إلاَّ في حجة الوداع، يقال فيه: قد ثبت في البخاري في باب جزاء الصيد عن عبد الله بن أبي قتادة قال: انطلق أبي عام الحديبية فأحرم أصحابه، ولم يحرم الحديث، وكذا في باب إذا رأى المحرمون صيدًا، فضحكوا، وأما قوله في الحديث الذي ساقه: خرج حاجًا، فقد سبق الجواب عنه في باب إذا صاد الحلال فأهدى للمحرم، عند أول الروايات، وفي حديث الصعب الحكم بالعلامة لقوله: فلما رأى ما في وجهي.

وفيه جواز رد الهدية لعلة وترجم المصنف من رد الهدية لعلة.

وفيه الاعتذار عن رد الهدية تطييبًا لقلب المهدي، وأن الهبة لا تدخل في الملك إلاَّ بالقبول، وأن قدرته على تملكها لا تصيره مالكًا لها، وأن على المحرم أن يرسل ما بيده من الصيد الممتنع عليه اصطياده.

رجاله ستة:

قد مرّوا إلاَّ الصعب: مرَّ عبد الله بن يوسف، ومالك في الثاني من بدء الوحي، ومرَّ الزهري في الثالث منه، ومرَّ عبيد الله المسعودي في السادس منه، وابن عباس في الخامس منه.

والصعب -ضد السهل- هو ابن جثامة -بفتح الجيم وتشديد الثاء- ابن قيس بن ربيعة بن عبد الله بن يعمر الليثي، حليف قريش، أمه أخت أبي سفيان بن حرب، وأسمها فاختة، وقيل: زينب، ويقال: هو أخو محلم بن جثامة، وكان الصعب ينزل ودان، وقد أخرج ابن السكن، عن راشد بن سعد قال: لما فتحت: إصطخر، نادى مناد: ألا إن الدجال قد خرج، فلقيهم الصعب بن جثامة فقال: لقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يخرج الدجال حتى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015