معمر وعبد الرحمن بن إسحاق ومحمد بن عمرو بالأبواء.
وقوله: "فرده عليه" ولأبي الوقت: فرد عليه، بحذف ضمير المفعول أي: رد عليه الصلاة والسلام الحمار على الصعب، وقد اتفقت الروايات كلها على أنه عليه الصلاة والسلام رده عليه إلَّا ما رواه ابن وهب والبيهقي من طريقه بإسناد حسن عن عمرو بن أمية: أن الصعب أهدى للنبي -صلى الله عليه وسلم- عجز حمار وحش -وهو بالجحفة- فأكل منه، وأكل القوم، قال البيهقي: إن كان هذا محفوظًا فلعله رد الحيّ وقبل اللحم، قال في الفتح: وفي هذا الجمع نظر، فإن كانت الطرق كلها محفوظة، فلعله رده حيًّا لكونه صيد لأجله، ورد اللحم تارة لذلك، وقبله تارة أخرى حيث علم أنه لم يصد لأجله، وقد قال الشافعي في الأم: إن كان الصعب أهدى له حمارًا حيًّا فليس للمحرم أن يذبح حمار وحش حي، وإن كان أهدى له لحما، فقد يحتمل أن يكون علم أنه صيد له، ونقل الترمذي عن الشافعي: أنه رده لظنه أنه صيد من أجله، فتركه على وجه التنزه، ويحتمل أن يحمل القبول المذكور في حديث عمرو بن أمية على وقت آخر، وهو حال رجوعه -صلى الله عليه وسلم- من مكة، ويؤيده أنه جازم فيه بوقوع ذلك بالجحفة، وفي غيرها من الروايات بالأبواء، أو بودان، وقال القرطبي: يحتمل أن يكون الصعب أحضر الحمار مذبوحًا، ثم قطع منه عضوًا بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقدمه له، فمن قال: أهدى حمارًا أراد بتمامه مذبوحًا لا حيًّا، ومن قال: لحم حمار أراد ما قدمه للنبي -صلى الله عليه وسلم-، ويحتمل أنه هداه له حيًّا، فلما رده عليه ذكاه، وأتاه بعضو منه ظانًا أنه إنما رده عليه لمعنى يختص بجملته، فأعلمه بامتناعه أن حكم الجزء من الصيد حكم الكل، قال: والجمع مهما أمكن أولى من توهيم بعض الروايات.
وقوله: "فلما رأى ما في وجهه" في رواية شعيب: "فلما عرف في وجهي رده هديتي"، وفي رواية الليث عن الزهري عند الترمذي: "فلما رأى ما في وجهه من الكراهية" وكذا لابن خزيمة، عن ابن جريج.
وقوله: "إنا لم نرده" أي: عليك، في رواية شعيب وابن جريج: "أليس بنا رد عليك"، وفي رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عند الطبراني: إنا لم نرده عليك كراهية له، ولكنا حرم، قال عياض: ضبطناه في الروايات لم نردَّه بفتح الدال، وأبى ذلك المحققون من أهل العربية وقالوا: الصواب أنه بضم الدال لأن المضاعف من المجزوم يراعى فيه الواو التي توجبها له ضمة الهاء بعدها قال: وليس الفتح بغلط بل ذكره ثعلب في الفصيح، نعم تعقبوه عليه بأنه ضعيف وأوهم صنيعه أنه فصيح وأجازوا أيضًا الكسر، وهو أضعف الأوجه، وفي رواية الكشميهني بفك الادغام: لم نردده بضم الأولى وسكون الثانية ولا إشكال فيه.
وقوله: "إلا أنا حرم" قد مرت رواية صالح بن كيسان عند النسائي: "لا نأكل الصيد"