الله -صلى الله عليه وسلم-، وحديث أبي قتادة هذا، وحديث عمير بن سلمة: أن البهزي أهدى للنبي -صلى الله عليه وسلم- ظبيًا وهو محرم، فأمر أبا بكر رضي الله تعالى عنه أن يقسم بين الرفاق. أخرجه مالك وأصحاب "السنن"، وصححه ابن خزيمة وغيره.
وبالجواز مطلقًا قال الكوفيون ومنهم: أبو حنيفة، وطائفة من السلف، وجمع الجمهور بين ما اختلف من ذلك بأن أحاديث القبول محمولة على ما يصيده الحلال لنفسه ثم يهدي منه للمحرم، وأحاديث الرد محمولة على ما صاده الحلال لأجل المحرم، قالوا: والسبب في الاقتصار على الإحرام عند الاعتذار للصعب أن الصيد لا يحرم على المرء إذا صيد له، إلا إذا كان محرمًا، فبين الشرط الأصلي، وسكت عما عداه فلم يدل على نفسه، وقد بينه في الأحاديث الأخر ويؤيد هذا الجمع حديث جابر المتقدم، وبين العلتين جميعًا في حديث النسائي المتقدم: "إنا حرم لا نأكل الصيد"، وعن عثمان التفصيل بين ما يصاد لأجله من المحرمين، فيمتنع عليه ولا يمتنع على محرِم آخر، وقال ابن المنير: حديث الصعب يشكل على مالك لأنه يقول: ما صيد من أجل المحرم يحرم على المحرم وعلى غير المحرم. فيمكن أن يقال: قوله: "فرده عليه" لا يستلزم أنه أباح له أكله، بل يجوز أن يكون أمره بإرساله إن كان حيًّا، وطرحه إن كان مذبوحا، فإن السكوت عن الحكم لا يدل على الحكم بضده، وتعقب بأنه وقت البيان، فلو لم يجز له الانتفاع به لم يرده عليه أصلًا، إذ لا اختصاص له به، وقال المرادوي من الحنابلة في كتاب "الانتصاف" له: يحرم ما صيد لأجله على الصحيح من المذهب، نقله الجماعة عن أحمد وعليه الأصحاب، قال: وفي "الانتصار" احتمال بجواز أكل ما صيد لأجله، وقال صاحب "الهداية" من الحنفية: ولا بأس أن يأكل المحرم صيدًا اصطاده حلال وذبحه إذا لم يدله المحرم عليه، ولا أمره بصيده، واستدلوا بما روي أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم تذاكروا لحم الصيد في حق المحرم، فقال عليه الصلاة والسلام: "لا بأس به"، وقالوا: إن اللام في قوله: "لحم الصيد لكم" في حديث جابر المتقدم، لام تمليك فيحمل على أن يهدي إليه الصيد دون اللحم، أو يصاد بأمره، قال في "فتح القدير": أما إذا اصطاد الحلال للمحرم صيدًا بأمره فاختلف فيه عندنا؛ فذكر الطحاوي تحريمه على المحرم، وقال الجرجاني: لا يحرم، واستدلت الحنفية على جواز أكل المحرم ما صيد لأجله بأن الصحابة لما سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يجب بحله لهم، حتى سألهم عن موانع الحل أكانت موجودة أم لا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها؟ " قالوا: لا، قال: "فكلوا إذن" فلو كان من الموانع أن يصطاد لهم، لنظمه في سلك ما يسأل عنه منها في التفحص عن الموانع ليجيب بالحكم عند خلوه عنها، وهذا المعنى كالصريح في نفي كون الاصطياد للمحرم مانعًا، فيعارض حديث جابر ويقدم عليه لقوة ثبوته، إذ هو في "الصحيحين" وغيرهما من الكتب الستة، بل في حديث جابر: