والقادسية، ففض جمعه وقتل أصحابه وأسره ففدى جافان نفسه منه، ثم جمع بزدجرد جموعا عظيمة ووجههم نحو أبي عبيد فالتقوا بعد أن عبر أبو عبيد الجسر أي: جسر الفرات إلى النهروان في المضيق فقطعوا الجسر خلفه واقتتلوا قتالًا عظيمًا ومعهم أفيلة كثيرة، وأمر أبو عبيد المسلمين أن يقتلوا الفيلة أولا، فاستوحشوها فقتلوها عن آخرها، وقدمت الفرس فيلًا أبيض عظيمًا فقدم إليه أبو عبيد فضربه بالسيف فقطع مشرفه، وقطع أبو محجن عرقوبه فحمل الفيل على أبي عبيد فتخبطه برجله، ووقف فوقه، ويقال: إنه برك عليه، وكان ذلك في آخر رمضان أو أول شوال سنة ثلاث عشرة بعد نكاية شديدة كانت منه في المشركين، وأوصى إلى عمر بن الخطاب، ورثاه أبو محجن الثقفي، وكان الذي بعث إليهم يزدجرد مردانشاه بن بهمن في أربعة آلاف دارع، وكان المثنى بن حارثة يومئذ مع أبي عبيد.
وأما ابنه المختار، ويكنى بأبي إسحاق فلم يكن بالمختار، ولد عام الهجرة وليست له صحبة، ولا رؤية، وأخباره غير مرضية حكاها عنه الثقات، مثل الشعبي وسويد بن غفلة وغيرهما، وكان في أول مرة معدودًا في أهل الفضل والخير، إلى أن فارق ابن الزبير، وكان يتزين بطلب دم الحسين، ويسر طلب الدنيا، فيأتي بالكذب والجنون، وكانت إمارته ستة عشر شهرًا، وروي عن ثابت بن هرمز قال: حمل المختار مالًا من المدائن، من عند عمه إلى عليّ، فأخرج كيسًا فيه خمسة عشر درهما فقال: هذا من أجور المومسات فقال له: ويلك ما لي وللمومسات، ثم قام وعليه مقطعة حمراء، فلما سلم قال عليّ: ما له قاتله الله، لو شق عن قلب هذا الآن لوجد ملآن من حب اللات والعزى!! ويقال: إنه كان في أول أمره خارجيًا، ثم صار زيديًا، ثم صار رافضيًا، وكان يضمر بغض عليّ رضي الله تعالى عنه، وأول أمره أنه بعد موت أبيه كان بالمدينة منقطعًا إلى بني هاشم، ثم كان مع علي بالعراق، وسكن البصرة بعد عليّ، وله قصة مع الحسن بن علي لما ولي الخلافة، ووشي إلى عبيد الله بن زياد عنه، بأنه ينكر قتل الحسين فأمر بجلده وحبسه حتى أرسل ابن عمر يشفع فيه، فنفاه إلى الطائف فأقام بها حتى مات يزيد بن معاوية، وقام ابن الزبير في طلب الخلافة فحضر إليه، وعاضده وناصحه، وكان ابن الزبير ولى عبد الله بن مطيع أمر الكوفة، فطلب منه المختار أن يرسله إلى الكوفة ليؤكد أمر بيعته فأرسله ووثق به ووصى عليه، فأظهر المختار أن ابن الزبير دعا في السر للطلب بدم الحسين، ثم أراد تأكيد أمره فادعى أن محمد بن الحنفية هو المهدي الذي سيخرج في آخر الزمان، وأنه أمره أن يدعو الناس إلى بيعته، وزور على لسانه كتابًا فدخل في طاعته جم كثير، فتقوّى بهم، وقام يطلب بثأر الحسين، فاجتمع عليه بشر كثير من الشيعة بالكوفة فتغلب عليها، وتطلب قتلة الحسين، فقتلهم، قتل شمر بن ذي الجوشن الذي باشر قتل الحسين وخولي بن يزيد الذي سار برأسه إلى الكوفة، وعمر بن سعد بن أبي وقاص أمير الجيش الذين حاربوا الحسين حتى قتلوه، وقتل معه ولده حفصًا،