وقوله: "فإذا قضى أحدكم نهمته" بفتح النون وسكون الهاء أي: حاجته من وجهه. أي: مقصده وبيانه في حديث ابن عباس عند ابن عدي بلفظ "فإذا قضى أحدكم وطره من سفره" وفي رواية رواد بن الجراح فإذا فرغ أحدكم من حاجته.
وقوله: "فليعجل إلى أهله" في رواية عتيق وسعيد المقبري: فليعجل الرجوع إلى أهله، وفي رواية أبي مصعب الكرة إلى أهله، وفي حديث عائشة فليعجل الرحلة إلى أهله فإنه أعظم لأجره، قال ابن عبد البر: زاد فيه بعض الضعفاء عن مالك، وليتخذ لأهله هدية وإن لم يجد إلاَّ حجر الزناد، قال: وهي زيادة منكرة وقد سئل إمام الحرمين حين جلس موضع أبيه لم كان السفر قطعة من العذاب؟ فأجاب على الفور لأن فيه فراق الأحباب، وفي الحديث كراهة التغرب عن الأهل لغير حاجة، واستحباب استعجال الرجوع ولاسيما من يخشى عليهم الضيعة بالغيبة، ولما في الإقامة في الأهل من الراحة المعينة على صلاح الدين والدنيا، ولما فيها من تحصيل الجماعات، والجمعات، والقوة على العبادة، والعرب تشبه الرجل في بيته بالأمير، وقيل:
قوله تعالى {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا} قال: من كان له دار وخادم فهو داخل في الآية، وقد أخبر الله تعالى بلطف محل الأزواج من أزواجهن بقوله {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} فقيل المودة الجماع، والرحمة الولد، وأما ما روي عن مالك من حديث أبي هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو يعلم الناس ما للمسافر لأصبحوا على الظهر سفرا، إن الله لينظر إلى الغريب في كل يوم مرتين" قال ابن عبد البر: هذا حديث غريب لا أصل له من حديث مالك ولا غيره، وقال ابن بطال: لا تعارض بين حديث الباب وما روي عن ابن عباس وابن عمر مرفوعًا "سافروا تغنموا" وفي رواية "ترزقوا" ويروى "سافروا تصحوا" إذ لا يلزم من الصحةِ بالسفر لما فيه من الرياضة ألا يكون قطعةٌ من العذاب، لما فيه من المشقة فصار كالدواء المر المعقب للصحة، وإن كان في تناوله الكراهة، واستنبط منه الخطابي تغريب الزاني؛ لأنه قد أُمر بتعذيبه، والسفر من جملة العذاب، وفيه ما فيه مما لا يخفى.
قد مرّوا: مرَّ عبد الله بن مسلمة في الثاني عشر من الإيمان، ومرَّ أبو صالح وأبو هريرة في الثاني منه، ومرَّ مالك في الثاني من بدء الوحي، ومرَّ سمي في الثاني عشر من الأذان.
ثم قال المصنف: