قال المازريّ: ظاهر السياق أن عمر كان موافقًا على قتال مَنْ جحد الصلاة، فألزمه الصديق بمثله في الزكاة، لورودهما في الكتاب والسنة مورداً واحدًا. وقوله: "فإن الزكاة حق المال" يشير إلى دليل منع التفرقة التي ذكرها، أن حق النفس الصلاة، وحق المال الزكاة، فمن صلّى عصم نفسه، ومَنْ زكّى عصم ماله، فمَنْ لم يصل قوتل على ترك الصلاة، ومَنْ لم يزكِ أُخذت الزكاة من ماله قهرًا، وإنْ نصَبَ الحرب لذلك قوتل. وهذا يوضح أنه لو كان سمع في الحديث "ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة" لما احتاج إلى هذا الاستنباط، لكنه يحتمل أن يكون سمعه، واستظهر بهذا الدليل النظري.
وما صدر من عمر كان تعلقًا منه بظاهر الكلام قبل أن ينظر إلى آخره، ويتأمل شرائطه، فقال له أبو بكر: إن الزكاة حق المال، يريد أن القضية قد تضمنت عصمة دم ومال، معلقة بإيفاء شرائطها، والحكم المعلق بشرطين لا يحصل بأحدهما، والآخر معدوم، ثم قايَسَه بالصلاة وَرَدَّ الزكاة إليها، فكان في ذلك دليلٌ على أن قتال الممتنع من الصلاة كان إجماعًا من رأي الصحابة، ولذلك رد المختلف فيه إلى المتفق عليه، فاجتمع في هذه القضية الاحتجاج من عمر بالعموم، ومن أبي بكر بالقياس.
وقوله: "لو منعوني عَنَاقًا" بفتح العين والنون الأنثى، من ولد المعز، وفي رواية ذكرها أبو عبيدة "جديًا أَذوطَ" والأذوط الصغير الفك والذقن، وفي رواية الليث عند مسلم "عِقالًا" واختلف في هذه اللفظة، فقيل هي وهم، وأشار إلى ذلك البخاريّ بقوله في كتاب الاعتصام: وعن الليث عَناقًا، وهو أصح، قال عياض: احتج برواية العَناق من يجيز أخذ العَناق في زكاة الغنم، إذا كانت كلها سِخالًا؛ لأن الصغار تزكي على حول أُمهاتها إن كانت نصاباً وماتت الأمهات كلها، أو مكملة له بأن مات بعض الأمهات وبقي منها مع النتاج نصاب، أو ملك دون النصاب فولدت ما تم به النصاب. هذا مذهب المالكية.
قال النوويّ: المراد أنها كانت صغارًا، فماتت أمهاتها في بعض الحول، فيزكين بحول الأمهات، ولو لم يبق من الأمهات شيء على الصحيح، ويتصور فيما إذا مات معظم الكبار، وحدثت الصغار، فحال الحول على بقية الكبار وعلى الصغار. وقال أبو القاسم الأنماطيّ: لا تزكي الأولاد بحول الأمهات، إلا أن يبقى من الأمهات نصاب. قال العينيّ: وقال أصحابنا: إلا أن يبقى من الأمهات شيء، ويتصور ذلك أيضًا فيما إذا مات معظم الكبار، وحدثت صغارٌ، فحال حول الكبار على بقيتها وعلى الصغار، قال: وهو الصحيح المشهور، وهو قول أبي يوسف من أصحابنا. وعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى: لا تجب الزكاة في المسألة المذكورة، وحملا الحديث على صيغة المبالغة أو على الفرض والتقدير. وقيل: إنما ذكر العَناق مبالغةً في التقليل، لا العناق نفسها. ورواية "لو منعوني عِقالًا" قال النوويّ: محمولة على أنه قالها مرتين، مرة عَناقًا، ومرة عِقالًا. قال في "الفتح": هذا بعيد مع اتحاد المخرج والقصة، واختلف في المراد به، فقيل: