القرطبي في هذا الحديث، وكذا حديث طلحة في قصة الأعرابي وغيرهما: دلالةٌ على جواز ترك التطوعات، لكن مَنْ داوم على ترك السنن كان نقصًا في دينه، فإن كان تركها تهاونًا بها ورغبة عنها، كان ذلك فسقًا، لورود الوعيد عليه، حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ رغب عن سنتي فليس مني" وقد كان صدر الصحابة ومَنْ تبعهم يواظبون على السنن مواظبتهم على الفرائض، ولا يفرقون بينهما في اغتنام ثوابهما، وإنما احتاج الفقهاء إلى التفرقة لما يترتب عليه من وجوب الإعادة وتركها، ووجوب العقاب على الترك ونفيه، ولعل أصحاب هذه القصص كانوا حديثي عهد بالإِسلام، فاكتفى منهم يفعل ما وجب في الحال، لئلا يثقل ذلك عليهم فيملوا، حتى إذا انشرحت صدورهم للفهم عنه، والحرص على تحصيل ثواب المندوبات، سهلت عليهم. وقد تقدم الكلام على شيء من هذا عند حديث طلحة بن عُبيد الله في كتاب الإيمان.
وفي الحديث جواز قول: جاء رمضان وذهب رمضان، خلافًا لمن منع عن مثل ذلك، لزعمه أن رمضان من أسماء الله تعالى، وفيه أن مَنْ أتى بالشهادتين، وصلّى وزكّى وصام وحج، إن استطاع دخل الجنة. وفيه سؤال مَنْ لا يعلم مَنْ يعلم عن العمل الذي يكون سببًا لدخول الجنة، وفيه البشارة والتبشير للمؤمن الذي يؤدي الواجبات بدخول الجنة، وفيه أن المبشّرين بالجنة غير محصورين في العشرة. وقد قيل إن تخصيص العشرة بذلك من أجل أنهم بُشروا بالجنة دفعة واحدة، فلا ينافي المتفرق.
قد مرَّوا، مرَّ محمد بن عبد الرحيم صاعقة في السادس من الوضوء ومرَّ عفّان بن مسلم في الحادي عشر والمئة منه، ومرَّ وهيب بن خالد في تعليق بعد الخامس عشر من الإيمان، وأبو حَيّان يحيى بن سعيد في الثالث والأربعين منه، وأبو زرعة في التاسع والعشرين منه، وأبو هريرة في الثاني منه.
وفي الحديث لفظ "أن أعرابيًا" وقد مرَّ في الذي قبله ما قيل في السائل، والأعرابي، هنا، قيل: إنه لقيط بن صُبْرة الماضي، كما مرَّ، وقيل إنه سعد بن الأخْرم أبو المُغيرة الطائيّ، روى ابنه المغيرة عنه أو عن عمه، قال: "أتيتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- بعرفة، وأخذت بزمام ناقته، فَدُفعت عنه فقال: "دعوه ... " فذكر الحديث في سؤاله عما يباعده من النار إلخ. وذكره البخاريُّ وأبو حاتم في التابعين.
فيه التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة، وشيخه من أفراده، ورواته بغداديّ وبصريان وكوفيان، أخرجه البخاريّ أيضًا في كتاب الزكاة، ومسلم في الإيمان.