أي: هذا باب في بيان ما ينهى من سب الأموات، وكلمة "ما" مصدرية، أي: باب النهي عن سب الأموات، أي: شتمهم من السَّب، بالفتح، وهو القطع أو من السُّبة، بالضم، وهي حلقة الدّبر، كأنه على الأول قطع المسبوب عن الخير والفضل، وعلى الثاني كشف العورة وما ينبغي أن يستر.
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا".
قال الزين بن المنير: لفظ الترجمة يشعر بانقسام السب إلى منهي وغير منهي، ولفظ الخبر مضمونه النهي عن السب مطلقًا، والجواب أن عمومه مخصوص بحديث أنس السابق حيث قال -صلى الله عليه وسلم-، عند ثنائهم بالخير وبالشر: "وجبت وأنتم شهداء الله في الأرض" ولم ينكر عليهم، ويحتمل أن اللام في الأموات عهدية، والمراد بهم المسلمون؛ لأن الكفار مما يتقرب إلى الله بسبهم.
وقال القرطبي في الكلام على حديث "وجبت" يحتمل أجوبةً: الأول أن الذي كان يحدث عنه بالشر كان مستظهرًا به، فيكون من باب لا غيبة في فاسق، أو كان منافقًا. ثانيها: يحمل النهي على ما بعد الدفن، والجواز على ما قبله، ليتعظ به مَنْ يسمعه. ثالثها: يكون النهي العام متأخرًا، فيكون ناسخًا، وهذا ضعيف. وقال ابن رشيد ما محصله: إن السب ينقسم في حق الكافر وحق المسلم، أما الكافر فيمنع إذا تأذى به الحي المسلم، فعند أحصد والنَّسائيّ عن ابن عباس أن رجلًا من الأنصار وقع في أبي العباس كان في الجاهلية، فلطمه العباس، فجاء قومه وقالوا: والله لنلطمنه كما لطمه، فلبسوا السلاح، فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فصعد المنبر فقال: "أيها الناس، أيُّ أهل الأرض أكرمُ عند الله؟ " قالوا: أنت، قال: "فإن العباس مني وأنا منه، فلا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا"، فجاء القوم فقالوا: يا رسول الله، نعوذ بالله من غضبك.
وفي كتاب الصمت لأبي الدنيا في حديث مرسل صحيح الإِسناد عن محمد بن علي الباقر قال: نهى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أن تسب قتلى بدر من المشركين، وقال: لا تسبوا هؤلاء، فإنهم لا يخلص إليهم شيء مما تقولون، وتؤذون الأحياء إلا أن البذاء لؤم، وأما المسلم فحيث تدعو الضرورة إلى