أي: بيان حكمه، وقد نقل النوويّ الإِجماع على أن غسل الميت فرض كفاية، وهو ذهول منه شديد، فإن الخلاف مشهور عند المالكية، حتى أن القرطبيّ في شرح مسلم رجَّح أنه سنّة، ولكن الجمهور على وجوبه، وأجاب العينيّ عن النوويّ بأن مراد القرطبيّ بقوله: "سنة" أي: مؤكدة، وهي في قوة الوجوب، وهذا الجواب باطل، فإن الخلاف عند المالكية في وجوبه وسنته مشهور، وهو نص خليل في مختصره، وقد رد ابن العربي على من لم يقل بالوجوب، فقال: قد توارد به القول والعمل، وغُسِل الطاهرُ المطهرُ فكيف بمن سواه؟ وأصل وجوب غسل الميت، ما في المسند، أن آدم عليه الصلاة والسلام غسلته الملائكة وكفنوه وحنطوه، وحفروا له وألحدوا وصلوا عليه. ثم دخلوا قبره فوضعوه فيه، ووضعوا عليه اللِّبن، ثم خرجوا من قبره، ثم حثوا عليه التراب، ثم قالوا: يا بني آدم هذه سبيلكم، ورواه البيهقيّ بمعناه.
وأما قوله: ووضوئه، فقال ابن المنير: ترجم بالوضوء، ولم يأت له بحديث، فيحتمل أن يريد انتزاع الوضوء من الغسل؛ لأنه منزل على المعهود من الأغسال، كغُسل الجنابة، أو أراد وضوء الغاسل، أي: لا يلزمه وضوء، ولهذا ساق أثر ابن عمر، وفي عود الضمير على الغاسل، ولم يتقدم له ذكر بعد، إلا أن يُقال: تقديرا لترجمة "باب غسل الميت" فالمصدر مضاف لمفعوله، لأنّ الميت لا يتولى ذلك بنفسه، فيعود الضمير على المحذوف فيتجه، قلت: على هذا أيضًا الأولى عَودُ الضمير إلى أقرب مذكور.
قال في الفتح: والذي يظهر أنه أشار كعادته إلى ما ورد في بعض طرق الحديث، مما يأتي قريبًا، في حديث أم عطية "ابْدأنَ بميامنها ومواضع الوضوء منها" فكأنه أراد أن الوضوء لم يرد الأمر به مجردًا، وإنما ورد البداءة بأعضاء الوضوء، كما يشرع في غُسل الجَنابة، أو أراد أن الاقتصار على الوضوء لا يجزىء، لورود الأمر بالغُسل.
وقوله: بالماء والسدر، قال الزين بن المنير: جعلهما معًا آلة لغَسل الميت، وهو مطابق لحديث الباب؛ لأنّ قوله: بماء وسدر، يتعلق بقوله: اغلسنها، وظاهره أن السدر يخلط في كل مرة من مرات الغسل، وهو مشعر بأن غسل الميت للتنظيف لا للتطهير؛ لأنّ الماء المضاف لا يتطهر