المصيبة لأنها ليست من صنعه، وإنما يؤجر على حُسْن تثبته وجميل صبره. وقال ابن بطال: أراد أن لا يجتمع عليها مصيبة الهلاك وفقد الأجر. وقال الطيبيّ: صدر هذا الجواب منه عليه الصلاة والسلام عند قولها: لم أعرفك، على أسلوب الحكيم، كأنه قال لها: دعي الاعتذار، فإني لا أغضب لغير الله، وانظري إلى نفسك.
وقال الزين بن المنير: فائدة جواب المرأة بذلك أنها لما جاءت طائعة، لما أمرها به من التقوى والصبر، معتذرة عن قولها الصادر عن الحزن، بيَّن لها أن حق هذا الصبر أنْ يكون في أول الحال، فهو الذي يترتب عليه الثواب، ويؤيده أن في رواية أبي هريرة المذكورة "فقالت: أنا أصبر، أنا أصبر" وفي مرسل يحيى بن أبي كثير المذكور تأخرت بعد الدفن عند القبر، والزيارة إنما تطلق على من أنشا إلى القبر قصدًا من جهة استواء الحكم في حقها، حيث أمرها بالتقوى والصبر لما رأى من جزعها، ولم ينكر عليها الخروج من بيتها، فدل على أنه جائز، وهو أعم من أن يكون خروجها لتشييع ميتها، فأقامت عند القبر بعد الدفن، وأنشات قصد زيارته بالخروج بسبب الميت.
وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم. ما كان فيه عليه الصلاة والسلام من التواضع والرفق بالجاهل، ومسامحة المصاب وقبول اعتذاره، وملازمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وفيه أن القاضي لا ينبغي له أن يتخذ من يحجبه عن حوائج الناس، وأن من أمر بمعروف ينبغي له أن يقبل ولو لم يعرف الأمر وفيه أن الجزع من المنهات، لأمره لها بالتقوى مقرونًا بالصبر. وفيه الترغيب في احتمال الأذى عند بذل النصيحة، ونشر الموعظة، وأن المواجهة بالخطاب، إذا لم تصادف المنوي، لا أثر لها.
وبنى عليه بعضهم ما إذا قال: يا هند أنت طالق، فصادف عَمْرة أنَّ عمرة لا تطلق، وعند المالكية تطلق في هذه الصورة هند في الفتوى والقضاء، ولا تطلق عمرة في الفتوى، وتطلق في القضاء. ويأتي بعض ما يستفاد منه في زيارة القبور.
قد مرّوا، وفيه ذكر امرأة مبهمة، مرَّ آدم وشعبة في الثالث من الإِيمان، ومرَّ أنس في السادس منه، ومرَّ ثابت البثانيّ في تعليق بعد الخامس من العلم، والمرأة المبهمة، قال في الفتح: لم أقف على اسمها، ولا على اسم صاحب القبر. والحديث أخرجه البخاريّ أيضًا في الجنائز وفي التوحيد، ومسلم في الجنائز، وكذا أبو داود والتّرمذيّ والنَّسائي. ثم قال المصنف: