مناسبة هذه الترجمة لما قبلها بجامع ما بينهما من مخاطبة الرجل المرأة بالموعظة،؛ لأنّ في الأول جواز مخاطبتها بما يرغبها في الأجر، إذا احتسبت مصيبتها، وفي هذا مخاطبتها بما يرهبها من الإثم، لما تضمنه الحديث من الإِشارة إلى أن عدم الصبر ينافي التقوى، قال الزين بن المنير ما محصله: عبَّر بقوله: الرجل، ليوضح أن ذلك لا يختص بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وعبر بالقول دون الموعظة ونحوها، لكون ذلك الأمر يقع على القدر المشترك من الوعظ وغيره، واقتصر على ذكر الصبر دون التقوى، لأنه المتيسر حينئذ، المناسب لما هي فيه.
قال: وموضع الترجمة من الفقه جواز مخاطبة الرجال النساء في مثل ذلك، بما هو أمر بمعروف أو نهي عن منكر، أو موعظة أو تعزية، وأن ذلك لا يختص بعجوز دون شابة، لما يترتب عليه من المصالح الدينية.
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِامْرَأَةٍ عِنْدَ قَبْرٍ وَهِىَ تَبْكِي فَقَالَ: اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي.
قوله: بامرأة، قال في الفتح: لم أقف على اسمها ولا اسم صاحب القبر، وفي رواية لمسلم ما يشعر بأنه ولدها، ولفظه "تبكي على صبي لها"، وصرح به في مرسل يحيى بن أبي كثير عند عبد الرزاق، ولفظه "قد أصيبت بولدها"، وسيأتي في أوائل كتاب الأحكام، عن شعبة عن ثابت، أن أنسًا قال لامرأة من أهله: تعرفين فلانة؟ قالت: نعم. قال: كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مرَّ بها، فذكر الحديث.
وقوله: فقال اتقي الله، في رواية أبي نعيم في "المستخرج" فقال: يا أَمةَ الله، اتقي الله. قال القرطبيّ: الظاهر أنه كان في بكائها قدر زائد من نَوْح أو غيره، ولهذا أمرها بالتقوى. ويؤيده أن في مرسل يحيى بن أبي كثير المذكور "فسمع منها ما يكره، فوقف عليها"
وقال الطيبيّ: قوله: اتقي الله، توطئة لقوله "واصبري" كأنه قال لها: خافي غضب الله إن لم تصبري، ولا تجزعي ليحصل لك الثواب، واقتصر المصنف هنا على هذا القدر من الحديث،