قلت: يا رسول الله، مات لي ولدان. قال: "من مات له ولدان في الإِسلام أدخله الله الجنة". أخرجه أحمد والطبرانيّ، وعن عمر وابن عَنْبَسَةَ مرفوعًا. "من مات له ثلاثة أولاد في الإِسلام، فماتوا قبل أن يبلغوا أدخله الله الجنة، أخرجه أحمد أيضًا، وأخرج أيضًا عن رجاء الأسلمية قالت: جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله ادعُ الله لي في ابن لي بالبركة، فإنه قد توفي لي ثلاثة، فقال: أو أَسْلَمْتِ؟ قالت: نعم، فذكر الحديث.
وقوله: يُتوفى له، بضم أوله، وفي رواية ابن ماجه "ما من مسلمَيْن يتوفى لهما"، والظاهر أن المراد من ولده الرجل حقيقة، ويدل عليه رواية النَّسَائي عن أنس "من احتسب من صلبه ثلاثة" وكذا حديث عقبة بن عامر، وهل يدخل في الأولاد أولاد الأولاد .. إلى آخر ما مرَّ في باب "يجعل للنساء يومًا"، وقوله: ثلاثة، كذا للأكثر، وهو الموجود في غير البخاري، وفي رواية كريمة والأصيلي "ثلاث" بحذف الهاء، وهو جائز لكون المميز محذوفًا، وفي حديث أبي هريرة، مرفوعًا عند المصنف في "الرقاق" يقول الله عَزَّ وَجَلَّ: "ما لعبدي المؤمن عندي، إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا، ثم احتَسَبَه إلّا الجنة".
وقوله: ثم احتسبه، أي صبر راضيًا بقضاء الله راجيًا فضله، ولم يقع التقييد بذلك في أحاديث، وكأنه أشار إلى ما وقع في بعض طرقه، كما في حديث جابر بن سمرة وحديث جابر بن عبد الله المذكورين في باب "هل يجعل للنساء يومًا"، وفي رواية ابن حِبّان والنَّسائي عن أنس، رفعه "من احتسب من صُلبه ثلاثة دخل الجنةَ" .. الحديث.
ولمسلم عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا "لا يموت لأحداكنَّ ثلاثة من الولد، فتحتسبهم إلا دخلت الجنة" الحديث. ولأحمد والطبرانيّ عن عُقبة بن عامر، رفعه "من أعطى ثلاثةً من صلبه، فاحتسبهم على الله، وجبت له الجنة" وفي الموطأ عن أبي النضر السُّلَمي، رفعه "لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد، فيحتسبهم إلا كانوا جنَّة من النار .. " الحديث.
وقد عرف من القواعد الشرعية أن الثواب لا يترتب إلا على النية، فلابد من قيد الاحتساب، والأحاديث المطلقة محمولة على المقيدة، ولكن أشار الإِسماعيليّ إلى اعتراض لفظيّ، فقال: يقال في البالغ: احتُسِب وفي الصغير افْتُرِط. وبذلك قال الكثير من أهل اللغة، لكن لا يلزم، من كون ذلك هو الأصل، أن لا يستعمل هذا موضع هذا، بل ذكر ابن دريد وغيره: احتسبَ فلان بكذا طلب اجرًا عند الله، وهذا أعم من أن يكون لكبير أو صغير. وقد ثبت ذلك في الأحاديث التي ذكرناها، وهي حجة في صحة هذا الاستعمال.
وقوله: لم يبلغوا الحِنْث، قد مرَّ استيفاء ما فيه عند ذكره في باب "هل يجعل للنساء يومًا" على