وميمنته ميسرة، فأنكر العدو حالهم وقالوا: جاءهم مدد فرعبوا، وانكشفوا منهزمين. وعنده عن جابر قال: أصيب بمؤتة ناس من المشركين، وغنم المسلمون بعض أمتعة المشركين. وفي مغازي أبي الأسود عن عُروة: فحمل خالد على الروم فهزمهم، وهذا يدل على الأول، ويمكن الجمع بأن يكونوا هزموا جانبًا من المشركين، وخشي خالد أن يتكاثر العدو عليهم، فقد قيل: إنهم كانوا أكثر من مئة ألف، فانحاز بهم حتى رجع بهم إلى المدينة.
وهذا السند وإن كان ضعيفًا من جهة الانقطاع، والآخر من جهة ابن لهيعة الراوي عن أبي الأسود، وكذلك الواقديّ، فقد وقع في مغازي موسى بن عتبة، التي هي أصح المغازي، ما نصه: ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فقتل، ثم اصطلح المسلمون على خالد بن الوليد، فهزم الله العدو وأظهر المسلمين. قال العماد بن كثير: يمكن الجمع بأن خالدًا لما حاز المسلمين، وبات ثم أصبح وقد غير هيئة العسكر كما مرَّ، وتوهم العدو أنهم قد جاءهم مدد، حمل عليهم خالد حينئذ، فولوا فلم يتّبعهم، ورأى الرجوع بالمسلمين هو الغنيمة.
وفي مغازي ابن عائذ، بسند منقطع، أن خالدًا لما أخذ الراية قاتلهم قتالًا شديدًا، حتى انحاز الفريقان من غير هزيمة، وقفل المسلمون، فمروا في طريقهم على قرية بها حصن كانوا في ذهابهم قتلوا رجلًا من المسلمين، فحاصروهم حتى فتح الله عليهم عُنوة، وقتل خالد بن الوليد مقاتِلَهم، فسمي ذلك المكان نقيع الدم إلى الآن، قاله في "الفتح".
قلت: قد سألت رجلًا من أهل تلك الناحية عنه، فأخبرني أن بقرب بُصَيْرى موضع يقال له "نقع الدم"، وهذا تغيير قليل فلعله هو.
وفيه ذكر زيد وجعفر وعبد الله بن رواحة وخالد بن الوليد. مرَّ من رجاله أبو معمر وعبد الوارث في السابع عشر من العلم، ومرَّ أيوب في التاسع من الإيمان، وأنس في السادس منه، ومرَّ عبد الله بن رواحة في السادس والثلاثين من التهجد.
والباقي من السند حميد بن هلال ابن هُبيرة، ويقال بن سُويد بن هُبيرة العدوي، أبو نصر البصري. قال القطان: كان ابن سيرين لا يرضاه. قال أبو حاتم: لأنه دخل في عمل السلطان، وكان في الحديث ثقة، وقال ابن معين والنَّسائي: ثقة. وقال أبو هلال الراسبيّ: ما كان بالبصرة أعلم منه. وقال ابن عدي: له أحاديث كثيرة مستقيمة، وقد حدث عنه الأئمة، وأحاديثه مستقيمة. وقال ابن سعد: كان ثقة، وذكره ابن حِبّان في الثقات.