الذين خرجوا معه -صلى الله عليه وسلم-، كانوا عددًا كثيرًا، وكان المصلى فضاء، ولا يضيق بهم لو صفوا فيه صفًا واحدًا، ومع ذلك فقد صفهم، وقد قال المصنف فيما يأتي "باب الصفوف على الجنازة" بصيغة الجمع، إشارة إلى ما ورد في استحباب ثلاثة صفوف، وهو ما رواه أبو داود وغيره عن مالك بن هبيرة مرفوعًا "منْ صلّى عليه ثلاثة صفوف فقد أَوْجَبَ"، حَسَّنَه التِّرمذيُّ، وصححه الحاكم. وفي رواية له "إلَّا غُفِر له" ولهذا كان مالك المذكور يصفُّ من يحضر الصلاة على الجنازة ثلاثة صفوف، سواء قلوا أو كثروا.
وقال الطبريّ: ينبغي لأهل الميت، إذا لم يخشوا عليه التغير، أن ينتظروا به اجتماع قوم يقوم منهم ثلاثة صفوف، لهذا الحديث. ويبقى النظر فيما إذا تعددت الصفوف والعدد قليل، أو كان الصف واحدًا والعدد كثير أيهما أفضل. وقوله: وكبر أربعًا، قد اختلف السلف في كونه أربعًا، فروى مسلم عن زيد بن أرقم أنه يكبر خمسًا، ورفع ذلك. وروى ابن المنذر عن ابن مسعود أنه صلى على جنازة رجل من بني أسد، فكبر خمسًا، وروى ابن المنذر وغيره عن عليّ، أنه كان يكبر على أهل بدر ستًا، وعلى الصحابة خمسًا، وعلى سائر الناس أربعًا. ورُوي أيضًا بإسناد صحيح عن أبي معبد قال: صليت خلف ابن عباس على جنازة فكبر ثلاثًا.
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة عن أنس، أنه كبر على جنازة ثلاثًا، ثم انصرف ناسيًا، فقالوا يا أبا حمزة: إنك كبرت ثلاثًا، فقال: صفوا فكبر الرابعة. وروى عن أنس الاقتصار على ثلاث، فقد أخرج ابن أبي شيبة عن عِمران بن حُدَير قال: صليت مع أنس بن مالك على جنازة، فكبّر عليها ثلاثًا لم يزد عليها. وروى ابن المنذر عن يحيى بن أبي إسحاق قال: قيل لأنس: إن فلانًا كبر ثلاثًا، فقال: وهل التكبير إلا ثلاثًا؟ قال مُغلطاي: إحدى الروايتين وَهْم وقال في "الفتح" بل يمكن الجمع بين ما اختلف به على أنس، إما بإنه كان يرى الثلاث مُجزئة والأربع أكمل منها، وإما بأن من أطلق عنه الثلاث لم يذكر الأُولى؛ لأنها افتتاح الصلاة، فقد روى يحيى بن أبي إسحاق أن أنسًا قال: التكبير ثلاثًا، فقيل له: يا أبا حمزة التكبير أربعًا قال: نعم، غير أن واحدة هي افتتاح الصلاة، ويأتي ذلك عنه في باب "سنة الصلاة".
قال ابن المنذر: ذهب أكثر أهل العلم إلى أن التكبير أربع، وفيه أقوال أخر، قال: وذهب بكر بن عبد الله المزنيّ إلى أنه لا ينقص عن ثلاث، ولا يزاد على سبع. وقال أحمد مثله، لكن قال: لا ينقص من أربع. وقال ابن مسعود: كبَّر ما كبَّر الإِمام. قال: والذي نختاره ما ثبت عن عمر، ثم ساق بإسنادٍ صحيح عن سعيد بن المسيب قال: كان التكبير أربعًا وخمسًا، فجمع عمر الناس على أربع.
وروى البيهقيُّ بإسنادٍ حسن إلى أبي وائل قال: كانوا يكبِّرون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبعًا