باب، بالتنوين. الرجل ينعى، مبتدأ وخبر، ومفعوله الميت، أي ينعى الميت إلى أهل الميت بنفسه، ولا يستنيب فيه أحدًا، ولو كان رفيعًا. والنعي إظهار خبر الميت إلى أهله، وفعله من باب فَعَل يَفْعَل، بالفتح فيهما، والتأكيد في قوله: "بنفسه" للضمير المستكنّ في ينعى، فهو راجع إلى الناعي لا المنعي، أو يرجع الضمير إلى المنعي وهو الميت، أي ينعى إلى أهل الميت بنفس الميت، أو بسبب ذهاب نفسه. وفي رواية الكَشْميهنيّ بحذف الموحدة. وفي رواية الأصيلي بحذف أهل، وأشار المهلَّب إلى أن في الترجمة خَلَلًا قال: والصواب "الرجل ينعى إلى الناس الميت بنفسه"، كذا قال، ولم يضع شيئًا، إلا أنه أبدل لفظ الأهل بالناس، وأثبت المفعول المحذوف، ولعله كان ثابتًا في الأصل فسقط، أو حُذِف عمدًا لدلالة الكلام عليه، أو لَفَظَ "يُنعى" بضم أوله، والمراد بالرجل الميت، والضمير حينئذٍ له. كما قال ابن المنير: ويستقيم عليه روايةُ الكشميهني، وأما التعبير بالأهل فلا خلل فيه، لأنّ مراده به ما هو أعم من القرابة وأُخُوَّة الدين، وهو أولى من التعبير بالناس؛ لأنه يخرج من ليس به أهلية، كالكفار.
وأما رواية الأصيليّ فقد قال ابن رشيد: إنها فاسدة، وفائدة هذه الترجمة الإشارة إلى أن النعي ليس ممنوعًا كله، وإنما نهى عما كان أهل الجاهلية يصنعونه، فكانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق. وقال ابن المرابط: مراده أن النعي الذي هو إعلام الناس بموت قريبهم مباح، وإن كان فيه إدخال الكرب، والمصائب، على أهله، لكن في تلك المفسدة مصالح جمة، لما يترتب على معرفة ذلك من المبادرة لشهود جنازته، وتهيئة أمره، والصلاة عليه، والدعاء له والاستغفار، وتنفيذ وصاياه، وما يترتب على ذلك من الأحكام.
وأما نعي الجاهلية، فقد أخرج سعيد بن منصور عن ابن عَوْف قال: قلت لإبراهيم: أكانوا يكرهون النعي؟ قال: نعم. قال ابن عوف: كانوا إذا مات الرجل، ركب رجل دابته ثم صاح في الناس: أنعى فلانًا. قال ابن عوف: قال ابن سيرين: لا أعلم بأسًا أن يؤذِن الرجلُ صديقه، وحميمه، وحاصله أن محض الإعلام بذلك لا يكره فإن زاد على ذلك فلا. وقد كان بعض السلف يشدد في ذلك، حتى كان حذيفة إذا مات له الميت يقول: لا تؤذوا به أحدًا إني أخاف أن يكون نعيًا، إني سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- بأذنيّ هاتين ينهى عن النعي. أخرجه التِّرمِذِيّ وابن ماجه بإسناد