خالط غيرُ الحرير فيه الحريرَ.
ويؤيده عطف القَسِّيّ على الحرير، والحرير على القَسِّيّ في حديث البراء، ووقع ذلك في حديث علي عند أبي داود والنسائي وأحمد، بسند صحيح، على شرط الشيخين عن عليّ قال: نهاني النبي -صلى الله عليه وسلم- عن القَسِّيّ والحرير، ويحتمل أن تكون المغايرة باعتبار النوع، فيكون الكل من الحرير، كما وقع عطف الديباج على الحرير في حديث حذيفة، الآتي في كتاب اللباس، بلفظ "وعن لبس الحرير والديباج" ولكن الذي يظهر، من سياق طرق الحديث في تفسير القَسِّيّ، أنه الذي يخالط الحرير، لا أنه الحرير الصرف، فعلى هذا يحرم لبس الثوب الذي خالطه الحرير، وهو قول بعض الصحابة، كابن عمر، والتابعين كابن سيرين.
وذهب الجمهور إلى جواز لبس ما خالطه الحرير، إذا كان غيرُ الحرير الأغلبَ، وعُمدتهم في ذلك ما تقدم في "كتاب الجمعة" في تفسير الحلة السبراء، وما انضاف إلى ذلك من الرخصة في العَلم في الثوب، إذا كان من حرير. قال ابن دقيق العيد: وهو قياس في معنى الأصل، لكن لا يلزم من جواز ذلك جواز كل مختلط، وإنما يجوز منه ما كان مجموع الحرير فيه قدر أربع أصابع، لو كانت منفردة، بالنسبة لجميع الثوب، فيكون المنع من لبس الحرير شاملًا للخالص والمختلط، وبُعد الاستثناء يقتصر على القدر المستثنى، وهو أربع أصابع إذا كانت منفردة، ويلتحق بها في المعنى ما إذا كانت مختلطة.
قال: وقد توسع الشافعية في ذلك، ولهم طريقان: أحدهما، وهو الراجح، اعتبارُ الوزن، فإن كان الحرير أقل وزنًا لم يحرم، أو أكثر حرم، وإن استويا فوجهان، اختلف الترجيح فيهما عندهم. والطريق الثاني أن الاعتبار بالقلة والكثرة بالظهور، وهذا اختيار القَفَّال ومن تبعه.
وعند المالكية في المختلط أقوالٌ ثالثها الكراهةُ، ومنهم من فرق بين الخَزّ وبين المختلط بقطن ونحوه، فأجاز الخز ومنع الآخر، وهذا مبني على تفيسر الخز، وقد تقدم في بعض تفاسير القَسِّيّ أنه الخز، فمن قال إنه رديء الحرير فهو الذي يتنزل عليه القول المذكور، ومن قال إنه ما كان من وَبَر فخُلِط بحرير، لم يتجه التفصيل المذكور. واحتج أيضًا من أجاز لبس المختلط بحديث ابن عباس "إنما نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الثوب المُصْمَت من الحرير، وأمّا العَلَم من الحرير وسَدَى الثوب، فلا بأس به" أخرجه الطَّبرانيّ بسند حسن هكذا. وأصله عند أبي داود، وأخرجه الحاكم بسند صحيح بلفظ "إنما نهى عن المُصْمَت إذا كان حريرًا".
وللطبرانيّ من طريق ثالث "نهى عن مُصْمَت الحرير، فأما ما كان سَدَاه من قُطْن أو كَتَّان فلا بأس به" واستدل ابن العربيّ للجواز أيضًا، بأنَّ النهي عن الحرير حقيقة في الخالص، والإذن في