يرد على المسلم، واحتج بعضهم بقوله تعالى: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ} وحكاه الماورديّ وجهًا عن بعض الشافعية، لكن لا يقول: ورحمة الله، وقيل: يجوز مطلقًا، وعن ابن عباس وعلقمة يجوز ذلك عند الضرورة، وعن الأوزاعيّ إنْ سلَّمت فقد سلم الصالحون، وإن تركت فقد تركوا. وعن طائفة التفرقةُ بين أهل الذمة وأهل الحرب، والراجح من هذه الأقوال كلها ما دل عليه الحديث، ولكنه مختص بأهل الكتاب، فقد أخرج أحمد بسندٍ جيدٍ عن أنس (أمرنا أن لا نزيد على أهل الكتاب على وعليكم).
ونقل ابن بطال عن الخطابيّ نحو ما قال ابن حبيب، فقال: رواية من روى "عليكم" بغير واو أحسن من الرواية بالواو؛ لأن معناه رددت ما قلتموه عليكم بعينه، وبالواو يصير المعنى "علي وعليكم"؛ لأن الواو حرف التشريك، هي رواية ابن عُيينة، فهي الصواب. وقد رجع الخطابيّ عما قال فقال في شرحه "الأعلام على البخاريّ" عند حديث عائشة، حين قالت: عليكم السام واللعنة فقال: أو لم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم، فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم فيّ، أخرجه في كتاب الأدب.
قال الخطابيّ ما ملخصه أن الداعي إذا دعا بشيء ظلمًا فإن الله لا يستجيب، ولا يجد دعاؤه محلًا في المدعو عليه. وله شاهد عن جابر قال: سلم ناس من اليهود، على النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: السام عليكم، قال: وعليكم. قالت عائشة، وغضبت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال: بلى، قد رددت عليهم، فنجاب عليهم، ولا يجابون فينا. أخرجه مسلم والبخاريّ في الأدب المفرد"، وقد غفل عن هذه المراجعة من أنكر الرواية بالواو، وضعفها من حيث المعنى، فإن كلامه مردود.
وقال النوويّ: الصواب أن إثبات الواو وحذفها ثابتان جائزان، وإثباتها أجود، ولا مفسدة فيه، وعليه أكثر الروايات، وفي معناها وجهان: أحدهما أنهم قالوا: عليكم الموت، فقال: وعليكم أيضًا، أي نحن وأنتم فيه سواء كلنا نموت. والثاني: أنّ الواو للاستئناف، لا للعطف والتشريك، والتقدير: وعليكم ما تستحقونه من الذم.
وقال البيضاويّ: في العطف شيء مقدر، والتقدير: وأقول عليكم ما تريدون بنا، أو ما تستحقون. وليس هو عطفًا على عليكم في كلامه. وقال القرطبي: قيل: الواو للاستئناف، وقيل: زائدة، وأولى الأجوبة أنّا نُجاب عليهم، ولا يجابون علينا، وحكى ابن دقيق عن ابن رشد تفصيلًا يجمع الروايتين: إثبات الواو وحذفها، فقال: من تحقق أنه قال السام أو السِّلام، بكسر السين، فليرد عليه بحذف الواو، ومن لم يتحقق منه فليرد بإثبات الواو.
وقال النوويّ تبعًا لعِياض: من فسر السام بالموت فلا يبعد ثبوت الواو، ومن فسرها بالسآمة