الكتاب، ومع الرسول.
ولو سلم الصبيّ على بالغ وجب عليه الرد، ولو سلم على جماعة فيهم صبيّ فأجاب أجزأ عنهم في وجه، وعند المالكية لا يُكتفى برد صبي، عن البالغين لعدم خطابه هو بالرد، ويجب رد سلامه. وقيل: إنه يُكتفى برده، ويجب على الرسول تبليغ السلام المرسل معه، إن التزم تبليغه، وإن لم يلتزمه لم يلزمه شيء، ويلزمه الرد على الفور، ويستحب أن يرد على المبلغ. كما أخرجه النَّسائيّ عن رجل من بني تميم أنه بلَّغ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- سلام أبيه، فقال: "وعليك وعلى أبيك السلام".
وقد جاء في حديث خديجة لما بلَّغها النبيّ، -صلى الله عليه وسلم-، عن جبريل، سلامَ الله تعالى عليها، "إن الله هو السلام، ومنه السلام، وعليك وعلى جبريل السلام". ولم يوجد في شيء من طرف حديث عائشة حين بلّغها عليه الصلاة والسلام السَّلام من جبريل، أنها ردت على النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وإنما ردت على جريل، فيدل على أنه غير واجب، ومشهور مذهب مالك وجوب الرد حينئذ، كما قال الناظم:
تبليغُك السلامَ إن تلتزم ... تبليغَه للغير ذو تَحَتُّمِ
وردُّه بالعَور إنْ أتاكَ ... مع رسولٍ واجبٌ، كذاك
وقد اختلف في الرد على أهل الذمة. قال ابن بطال: قال قوم: رد السلام على أهل الذّمة فرض لعموم الآية، وثبت عن ابن عباس أنه قال: "من سلم عليك فرد عليه، ولو كان مجوسيًا" وبه قال الشعبيّ وقتادة، ومنع من ذلك مالك والجمهور. وقال عطاء: الآية مخصوصة بالمسلمين، فلا يرد السلام على كافر مطلقًا، فإن أرادَ مُنِعَ الردُّ بالسلام، وإلا فالأحاديث ترد عليه، فأخرج البخاريّ عن ابن عمر "إذا سلم عليك اليهود، فإنما يقول: أحدهم السَّام عليك، فقل: وعليك" وأخرج عن أنس قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم".
وقد اختلف العلماء في إثبات الواو وإسقاطها في الرد على أهل الكتاب، لاختلافهم في أي الروايتين أرجح، فذكر ابن عبد البر عن ابن حبيب لا يقولها بالواو؛ لأن فيها تشريكًا، وبيان ذلك أن الواو في مثل هذا لتركيب تقتضي تقرير الجملة الأولى وزيادة الثانية عليها، كمن قال: زيدٌ كاتبٌ، فقلت: وشاعر، فإنه يقتضي ثبوت الوصفين لزيد.
فقال: وخالفه جمهور المالكية، وقال بعض شيوخهم: يقول: عليكم السلام، بكسر السين، يعني الحجارة، ووهَّاه ابن عبد البر بأنه لم يشرع لناسب أهل الذمة، ويؤيده إنكار النبي -صلى الله عليه وسلم-، على عائشة لما سبَّتهم، وذكر ابن عبد البر عن ابن طاوس قال: علاكم السلام، بالألف، أي: ارتفع.
وتعقبه وذهب جماعة من السلف إلى أنه يجوز أن يُقال في الرد عليهم: عليكم السلام، كما