على أن هذه الصيغة هي المشروعة في ابتداء السلام، لقوله: "فهي تحيتك وتحية ذريتك"، ولو حذف اللام، فقال: سلام عليكم أجزأ .. قال الله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ}. وقال تعالى: {فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}. وقال تعالى: {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ}، إلى غير ذلك، لكنْ باللام أولى؛ لأنها للتفخيم والتكثير. وثبت في حديث التشهد السلام عليك أيها النبيّ" واستدل بقوله في حديث آدم "فقالوا السلام عليك" لمن يقول يجزىء في الرد أن يقع باللفظ الذي يبتدأ به، وقيل أيضًا يكفي الرد بلفظ الإفراد، وقد أخرج البخاريّ في "الأدب المفرد" عن قُرَّة بن إياس المُزَنيّ الصحابيّ، "إذا مرَّ بك الرجل فقال السلام عليكم، فلا تقل وعليك السلام، فتخصه وحده، فإنه ليس وحده" وسنده صحيح، ومن فروعه، لووقع الابتداء بصيغة الجمع، فإنه لا يكفي الرد بصيغة الإفراد؛ لأنّ صيغة الجمع تقتضي التعظيم، فلا يكون امتثل الرد بالمثل، فضلًا عن الحسن، نبه عليه ابن دقيق العيد.
وقوله: "في الحديث السابق" فزادوا "ورحمة الله" فيه مشروعية الزيادة في الرد على الابتداء، وهو مستحب بالاتفاق، لوقوع التحية في ذلك في قوله: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} ولو زاد المبتديء "ورحمة الله" استحب أن يزاد "وبركاته" فلو زاد "وبركاته" فهل تشرع الزيادة في الرد؟، وكذلك لو زاد المبتديء على "وبركاته" هل يشرع له ذلك؟ أخرج مالك في الموطأ عن ابن عباس قال: انتهى السلام إلى البركة. وأخرج البيهقي، في الشعب عن عبد الله بن بأبيه قال: جاء رجل إلى ابن عمر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومغفرته، فقال: حسبك إلى "وبركاته" انتهى إلى "وبركاته"، ومن طريق زهْرة بن مَعْبَد قال: قال عمر: انتهى السلام إلى "وبركاته".
ورجاله ثقات، وجاز عن ابن عمر الجواز، فأخرج مالك أيضًا في الموطأ عنه، أنه زاد في الجواب "والغاديات والرائحات" وأخرج البخاريّ في "الأدب المفرد" عن نافع مولى ابن عمر قال: كان ابن عمر يزيد إذا رد السلام، فأتيته مرة فقلت: السلام عليكم، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، ثم أتيته، فزدت "وبركاته"، فردّ وزادني "وطيَّب صلواته". وعن زيد بن ثابت أنه كتب إلى معاوية: السلام عليكم يا أمير المؤمنين ورحمة الله ومغفرته وطيب صلواته.
ونقل ابن دقيق العيد عن أبي الوليد بن شد أنه يؤخذ من قوله تعالى: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} الجواز في الزيادة على البركة إذا انتهى إليها المبتدىء. وأخرج أبو داود والتِّرْمِذِيّ والنَّسائي بسند قوي عن عمران بن حَصِين قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: السلام عليكم، فرد عليه، وقال: عشر، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه، وقال: عشرون، ثم جاء آخر فزاد وبركاته، فرد وقال: ثلاثون. وأخرجه البخاريّ في "الأدب المفرد" عن أبي هُريرة، وصححه ابن حِبّان وقال: ثلاثون حسنة. وكذا فيما قبلها، صرح بالمعدود، وعند أبي نُعيم، في عمل يوم وليلة،