أبي هريرة في الاستئذان في رد الملائكة على آدم عليه السلام، فإن فيه "فقالوا: السلام عليك" وتعقب بجواز أن يكون نسب إليهم، والمتكلم به بعضهم، واحْتُج له أيضًا بالاتفاق على أن من سلّم على جماعة فردَّ واحد من غيرهم لم يجز عنهم، وتعقب بظهور الفرق، واحتج للجمهور بحديث علي، رفعه، "يجزي عن الجماعة إذا مرّوا أن يسلم واحد عنهم، وعن الجلوس أن يُراد أحدهم". أخرجه أبو داود والبزار بسند فيه ضعف، لكنْ له شاهد عن الحسن بن عليّ عند الطبرانيّ، وفي سنده مقال، وآخر مرسل في الموطأ عن زيد بن أسْلم.
واحتج ابن بَطَّال بالاتفاق على أن المبتدىء لا يشترط في حقه تكرير السلام بعدد من يسلم عليهم، كما في سلام آدم في الحديث المذكور، وغيره من الأحاديث، قال: فكذلك لا يجب الرد على كل فرد إذا سلم الواحد عليهم. واحتج الماورديّ بصحة الصلاة الواحدة على العدد من الجنائز.
وقال الحليميّ: إنما كان الرد واجبًا؛ لأنّ السلام معناه الأمان، فإذا ابتدأ به المسلم أخاه فلم يجبه، فإنه يتوهم منه، فيجب عليه دفع ذلك التوهم. قلت: ليس فيما قاله دليل على أبي يوسف، بل كلامه دليل له، لأنّ الذي لم يرد السلام من الجماعة، قد يتوهم منه ذلك. وقال القاضي حسين: لا يجب رد السلام على من سلم عند قيامه إذا كان سلَّم حين دَخَل، ووافقه المتوليّ، وخالفه المُسْتَظْهريّ فقال: السلام سنة عند الانصراف، فيكون الجواب واجبًا. قال النّوويّ: هذا هو الصواب. قلت: هذا هو مذهب مالك، ونظمه بعض علماء المذهب فقال:
تسليم الانصراف واللقاء ... سيّان في الرد والابتداء
فالابتدا يُسَنُّ في كليهما ... والرد في كليهما تَحَتَّما
وهو الذي في الحديث الذي أخرجه النسائيّ، عن أبي هُريرة مرفوعًا "إذا قعد أحدكم فليسلم، وإذا قام فليسلم"، فليست الأولى أحق من الآخرة. وللفظ الذي يبتدأ به السلام، والذي يجاب به، هو ما في حديث آدم أول الاستيذان، ففيه أن الله تعالى قال له: "اذهب فسلِّم على أولئك، نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتُك، وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فزادوه "ورحمة الله". وفي رواية" فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله، وقول آدم: السلامُ عليكم، قال ابن بطال: يحتمل أن يكون الله علَّمه كيفية ذلك تنصيصًا، ويحتمل أن يكون فهم ذلك من قوله له "فسلِّم"، ويحتمل أن يكون ألهمه ذلك.
ويؤيد الأخير الحديث الذي أخرجه ابن حِبّان في حَمْد العاطس عن أبي هُريرة، رفعه، "أن آدم لما خلقه الله عطس فألهمه الله أن قال الحمد لله" فلعله أيضًا ألهمه صفة السلام، واستدل به