ندًا"، وفي أوله "قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كلمة، وقلت أنا أخرى". ولم تختلف الروايات في الصحيحين في أن المرفوع الوعيد، والموقوف الوعد. وزعم الحميديّ في الجمع، وتبعه مغلطاي في شرحه أن في رواية مسلم عن وكيع وابن نمير بالعكس، بلفظ "من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، وقلت إن من مات يشرك بالله شيئًا دخل النار" والصواب رواية الجماعة كما بينه الإسماعيلي، وأخرجه أحمد وابن خزيمة، وهو الذي يقتضيه النظر؛ لأنّ جانب الوعيد ثابت بالقرآن، وقد جاءت السنة على وقفه، فلا يحتاج إلى استنباط، بخلاف جانب الوعد، فإنه في محل البحث، إذ لا يصح حمله على ظاهره كما مرَّ.
وكأن ابن مسعود لم يبلغه حديث جابر الذي أخرجه مسلم بلفظ "قيل يا رسول الله ما الموجبان؟ قال: "من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئًا دخل النار". وقال النووي: الجيد أن يقال سمع ابن مسعود اللفظين من النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكنه في وقتٍ حفظ أحداهما وتيقنها، ولم يحفظ الأخرى، فرفع المحفوظة، وضم الأخرى إليها، وفي وقت بالعكس. قال: فهذا جمع بين روايتي ابن مسعود، وموافقته لرواية غيره في رفع اللفظين. وهذا الذي قال محتمل بلا شك، لكن فيه بُعْدٌ مع اتحاد مخرج الحديث، فلو تعدد مخرجه إلى ابن مسعود، لكان احتمالًا قريبًا، مع أنه يستغرب من انفراد راو من الرواة بذلك دون رفقته، وشيخهم ومن فوقه. فنسبة السهو إلى شخص ليس بمعصوم أولى من التعسف.
وحكى الخطيب في المدرج أن أحمد بن عبد الجبار رواه عن أبي بكر بن عياش عن عاصم كله مرفوعًا، وأنه وهم في ذلك. وفي حديث ابن مسعود دلالة على أنه كان يقول بدليل الخطاب، ويحتمل أن يكون أثر ابن مسعود أخذه من ضرورة انحصار الجزاء في الجنة والنار، وفيه إطلاق الكلمة على الكلام الكثير.
قد مرّوا؛ مرَّ عمر بن حفص وأبوه حفص بن غياث في الثاني عشر من الغسل، ومرَّ الأعمش في الخامس والعشرين من الإيمان، ومرَّ أبو وائل شقيق في الحادي والأربعين منه، وابن مسعود في أول أثر منه.
فيه التحديث والعنعنة والقول، ورواته كلهم كوفيون وفيه رواية التابعيّ عن التابعيّ، أخرجه البخاريّ أيضًا في التفسير والإيمان والنذور، ومسلم في الإيمان، والنَّسائي في التفسير. ثم قال المصنف: