-صلى الله عليه وسلم- على أبي ذَرٍّ استبعاده.
ويحتمل أن يكون المراد بقوله: "دخل الجنة" أي صار إليها، إما ابتداء من أول الحال، وإما بعد أن يقع ما يقع من العذاب، نسأل الله تعالى العفو والعافية. قال الطيبيّ: قال بعضُ المحققين: قد يَتَّخِذُ من أمثال هذه الأحاديثِ المبطلةُ ذريعةً إلى طرح التكاليف وإبطال العمل، ظنًا أن ترك الشرك كافٍ، وهذا يستلزم طيَّ بساط الشريعة، وإبطال الحدود، وأن الترغيب في الطاعة والتحذير عن المعصية لا تأثير له، بل يقتضي الانخلاع عن الدين، والانحلال عن قيد الشريعة، والخروج عن الضبط، والولوج في الخبط، وترك الناس سدى مهملين، وذلك يفضي إلى خراب الدنيا بعد أن يفضي إلى خراب الأخرى. مع أن قوله في بعض طرق الحديث "أن يعبدوه" يتضمن جميع أنواع التكاليف الشرعية.
وقوله: ولا يشركوا به شيئًا، يشمل مسمى الشرك والخفي، فلا راحة للتمسك به في ترك العمل، لأن الأحاديث إذا ثبتت وجب ضم بعضها إلى بعض، فإنها في حكم الحديث الواحد، فيحمل مطلقها على مقيدها ليحصل العمل بجميع ما في مضمونها.
وفي الحديث أن أصحاب الكبائر لا يخلدون في النار، وأن الكبائر لا تسلب اسم الإيمان، وأن غير الموحدين لا يدخلون الجنة، والحكمة في الاقتصار على الزنا والسرقة الإِشارة إلى جنس حق الله تعالى وحق العباد، وكان أبا ذر استحضر قوله عليه الصلاة والسلام "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن". لأنّ ظاهره معارض لظاهر هذا الخبر، لكن الجمع بينهما على قواعد أهل السنة يحمل هذا على الإِيمان الكامل، وبحمل حديث الباب على عدم التخليد في النار.
قد مرّوا، مرَّ موسى بن إسماعيل في الخامس من بدء الوحي، ومرَّ مهدي بن ميمون في الحادي والأربعين من كتاب الصلاة، ومرَّ واصل الأحدب والمعرور وأبو ذر بهذا النسق في الثالث والعشرين من الإيمان.
أخرجه أيضًا في التوحيد، ومسلم في الإيمان، والنَّسائي في اليوم والليلة، والترمذيّ، وقال: (صحيح حسن).
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا شَقِيقٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ. وَقُلْتُ: (إن مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ).
قوله: من مات يشرك بالله، في تفسير البقرة من رواية الأعمش "من مات وهو يدعو من دون الله