فعل، فيسمى ذلك نزولًا عن مرتبة إلى مرتبة، فهي عربية صحيحة.
والحاصل أنه تأوله بوجهين، إما بأن المعنى ينزل أمره، أو الملك بأمره، وإما بأنه استعارة بمعنى التلطف بالداعين، وإجابة لهم ونحوه، وقد حكى أبو بكر بن فورك أن بعضِ المشائخ ضبطه بضم أوله على حذف المفعول، أي يُنَزِّل ملكًا، ويقويه ما رواه النَّسائيُّ عن الأَغَرّ عن أبي هُريرة وأبي سعيد بلفظ: "إن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل، ثم يأمر مناديًا يقول: هل من داعٍ فيستجاب له" الحديث. وفي حديث عثمان بن أبي العاص: "ينادي منادٍ هل من داعٍ يستجاب له" الحديث. قال القرطبي: وبهذا يرتفع الإشكال، ولا يعكر عليه ما في رواية رِفاعة الجُهِّنيّ "ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول: لا يسأل عن عبادي غيري"؛ لأنه ليس في ذلك ما يدفع التأويل المذكور.
وقال البيضاويّ: ولما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزه عن الجسمية والتحيز، امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه، فالمراد نور رحمته، أي: ينتقل من مقتضى صفة الجلال التي تقتضي الغضب والانتقام، إلى مقتضى صفة الإكرام التي تقتضي الرأفة والرحمة. وتأوَّل ابن حزم النزول بأنه فعل يفعله الله في سماء الدنيا، كالفتح لقبول الدعاء، وأن تلك الساعة من مظان الإجابة، وهو معهود في اللغة، تقول: فلان نزل لي عن حقه، بمعنى وهبه. قال: والدليل على أنها صفة فعل، تعليقه بوقت محدود، ومن لم يزل لا يتعلق بالزمان، فصح أنه فِعْلٌ حادث. وقال ابن العربيّ أيضًا في "العواصم": قوله: "ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا" أن الحركة والانتقال، وإن كانا محالًا عليه عقلًا، فإنه يلزمهم على محالهم أن يكونا محالًا عليه عندهم، يعني المشبهين، فإنهم قالوا: إنه أكبر من العرش بمقدار يسير، فكيف ينزل إلى السماء وهو أكبر من جميعها ولم يفهموا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما خاطب بذلك العرب الفصحاء اللُّسُن.
وقد ثبت في اللغة أن النزول على وجهين: نزول حركة، ونزول إحسان وبركة. فإن من أعطاك قد نزل إليك إلى درجة النبل المحبوبة عندك، عن درجة المنع المكروهة، كما أنه نزل في وده لك عن حال البغضاء والإعراض عنك. وهو نزول حقيقيّ في بابه، كما أنّ نزول المرء عن الجبل إلى السفح حقيقة في بابه، ألا ترى إلى قول عنترة:
كامل
وَلَقَدْ نَزَلْتِ فلا تَظُني غَيْرَه ... مني بمنزلةِ المُحَبِّ المكْرمِ
وقال عمر رضي الله تعالى عنه، في الإِسلام: ما ينزل بعبد مسلم من منزل شدة إلخ، وهو معنوي لا حركة فيه ولا انتقال، وفائدته في الحديث، هي أن الكريم إذا حل بموضعٍ ونزل بأرض ظهرت فيها أفعاله، وانتشرت بركته، وبدت آثاره، فما بث الله من رحمته من السماء الدنيا على الخلق في تلك الساعة، عبر عنه بالنزول فيه، وهو عربية صحيحة، وقد ذكر الله تعالى أشياء بالنزول لا يراد بها النزول قطعًا، فقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} ومعدنه بالأرض،