الوقف، إذ لم يصله الملك بشي بعده وأجاب عنه فقال: لا نسلم إذ يحتمل أن المَلَك نطق بكل جملة منها منفردة عن الأخرى، ووقف على آخرها، فحكاه كما وقع.
وقوله: "فقال: نِعْم الرجل عبد الله" وفي التعبير من رواية نافع عن ابن عمر أن عبد الله رجل صالح، لو كان يصلي من الليل. لو: للتمني لا للشرط، ولذلك لم يذكر له جواب. وهذا هو شاهد الترجمة، فمقتضاه أن مَنْ كان يصلي من الليل، يوسف بكونه نِعْم الرجل. ورواية نافع المذكورة أبين في المقصود. وقوله: "فكان بعد لا ينام من الليل إلاَّ قليلًا" ظاهره أن هذا من كلام سالم، لكن في "التعبير" بهذا السند. قال الزُّهريّ: فكان عبد الله بعد ذلك يكثر الصلاة من الليل، ومقتضاه أن في السياق الأول أدراجًا. لكنْ ورد في "المناقب" عن عبد الرزاق قال سالم: وكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلًا، فظهر أنْ لا إدراج فيه، وأيضًا كلام سالم في ذلك مغاير لكلام الزُّهريّ، فانتفى الإدراج عنه أصلًا ورأسًا.
قال القرطبي: إنما فسر الشارع من رؤيا عبد الله ما هو ممدوح، لأنه عُرض على النار ثم عوفي منها، وقيل له: لا روع عليك، وذلك لصلاحه. غير أنه لم يكن يقوم من الليل، فحصل لعبد الله من ذلك تنبيه على أنَّ قيام الليل مما تُتَّقى به النار والدنوّ منها، فلذلك لم يترك قيام الليل بعد ذلك. وأشار المُهَلَّب إلى أنَّ السر في ذلك كون عبد الله كان ينام في المسجد، ومن حق المسجد أن يتعبد فيه، فنبه على ذلك بالتخويف بالنار، وقال: إنما فسر عليه الصلاة والسلام هذه الرؤيا بقيام الليل، لأنه لم ير شيئًا يغفل عنه من الفرائض يذكر بالنار، وعلم مبيته بالمسجد، فعبّر عن ذلك بأنه منبه على قيام الليل فيه.
وفي الحديث وقوع الوعيد على ترك السنن، وجواز وقوع العذاب على ذلك، ولكن يشترط المواظبة على الترك رغبةً عنها، فالوعيد والتعذيب إنما يقع على المحرم، وهو الترك بقيد الإعراض. وفيه أن أصل التعبير من قبل الأنبياء، ولذلك تمنى ابن عمر أنه يرى رؤيا، فيعبرها له الشارع، ليكون ذلك عنده أصلًا. وقد صرّح الأشعريّ بأن أصل التعبير بالتوقيف من قبل الأنبياء وعلى ألسنتهم. قال ابن بَطّال: وهو كما قال، لكن الوارد عن الأنبياء في ذلك، وإن كان أصلًا، فلا يعم جميع المرائي، فلابد للحاذق في هذا الفن أن يستدل بحسن نظره، فيرد ما لم ينص عليه إلى حكم التمثيل. ويحكم له بحكم النسبة الصحيحة، فيجعل أصلًا يلحق به غيره، كما يفعل الفقيه في فروع الفقه.
وفيه مشروعية النيابة في قصّ الرؤيا، وتأدّب ابن عمر مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومهابته له، حيث لم يقص رؤياه بنفسه، وكأنه لما هالته لم يؤثر أن يقصها بنفسه، فقصها على أخته لا دلالة عليها. وفضل قيام الليل، وأنه ينجي من النار، وفيه تمني الرؤيا الصالحة ليعرف صاحبها ما له عند الله تعالى، وتمنى الخبر والعلم والحرص عليه. وفيه رؤية الملائكة في المنام، وتحذيرهم للرائي،