كَطَيِّ الْبِئْرِ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ، وَإِذَا فِيهَا أُنَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ فَجَعَلْتُ أَقُولُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ. قَالَ: فَلَقِيَنَا مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِي: لَمْ تُرَعْ. فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَكَانَ بَعْدُ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً.
قوله: "كان الرجل" اللام للجنس، ولا مفهوم له، وإنما ذكر للغالب، وقوله: "فتمنيت أن أرى" في رواية الكشميهني: "أني أرى" وزاد في التعبير من وجه آخر: "فقلت في نفسي لو كان فيك خير لرأيت مثل ما يرى هؤلاء" وقوله: "رؤُيا" بالضم والقصر من غير تنوين. ويؤخذ منه أن الرؤيا الصالحة تدل على خير رائيها. وقوله: "كان مَلَكين" لم يقف صاحب "الفتح" على تسميتهما. وقوله: "فذهبا بي إلى النار فإذا هي مطوية" في رواية أيوب عن نافع الآتية قريبًا "كان اثنين أتياني" أرادا أن يذهبا بي إلى النار، فتلقاهما مَلَكٌ فقال: لن تراع خليا عنه. وظاهر هذا أنهما لم يذهبا به. ويجمع بينهما يحمل الثاني على إدخاله فيها، فالتقدير أن يذهبا إلى النار فيُدخلاني فيها، فلما نظرتها فإذا هي مطوية، ورأيت مَنْ فيها واستعذت، فلقينا مَلَكٌ آخر.
وقوله: "فإذا هي مطوية" أي مبنية، والبئر قبل أن يبنى يسمى قَليبًا. وقوله: "وإذا لها قرنان" هكذا بالرفع للجمهور، وحكى الكَرَماني: "أن في نسخة قرنين" فأعربها بالجر أو بالنصب على أن فيه شيئًا مضافًا حُذِف، وترك المضاف إليه على ما كان عليه، وتقديره فإذا لها "مثل قرنين" وهو كقراءة مَنْ قرأ: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} بالجر أي: يريد عَرَض الآخرة، أو ضمَّن إذا الفجائية معنى الوجدان، أي: فهذا بي وجدت لها قرنين. والمراد بالقرنين هنا خشبتان أو بناءان تمد عليهما الخشبة العارضة التي تعلق فيها الحديدة التي فيها البكرة، فإن كانا من بناء فهما القرنان، وإن كانا من خشبٍ فهما الزرنوقان، بزاي منقوطة قبل المهملة ثم نون ثم قاف، وقد يطلق على الخشبة أيضًا القرنان.
وقوله: "وإذا فيها أُناس قد عرفتهم" قال في الفتح": لم أقف على تسمية أحد منهم، وقوله: لم تُرَعْ بضم أوله وفتح الراء بعدها مهملة ساكنة، أي: لم تخف، والمعنى: لا خوف عليك بعد هذا. وفي رواية الكشميهنيّ في "التعبير" لن تراع وهي رواية الجمهور بإثبات الألف، وفي رواية القابسيّ لن تُرَع بحذف الألف، وهي لغة قليلة، أي الجزم بلن، حتى قال القزّاز: لا أعلم له شاهدًا. وتعقب بقول الشاعر:
لن يخبْ الآن من رجائك مَنْ ... حَرَّك من دون بابك الحَلْقة
وأجيب أيضًا بأن العين سكنت للوقف، ثم شبه بسكون المجزوم فحذف الألف قبله، ثم أجرى الوقف. قال ابن مالك: وتعقبه في المصابيح فقال: لا نُسلِّم أنَّ فيه إجراء الوصل مجرى