سقط عند أبي الوقت وابن عساكر، والأصيلي في غير دبر الصلاة وقبلها، وثبت عند أبي ذر، وهذا مشعر بأن نفي التطوع في السفر محمول على ما بعد الصلاة خاصة متصلًا بها، فلا يتناول ما قبلها، ولا ما لا تعلق له بها من النوافل المطلقة، كالتهجد، والوتر، والضحى. فقوله: "وقبلها" عطف على قوله "في غير دبر الصلاة"، وهو من عطف الخامس على العام، وبيان ذلك هو أن قوله في غير دبر الصلاة يشمل ما كان قبلها مطلقًا متصلًا، كان بها أو منفصلًا، وما بعدها منفصلًا عنها بحيث لا يكون في دبرها. والفرق بين ما قبلها وما بعدها أن التطوع قبلها لا يظن أنه منها؛ لأنه ينفصل عنها بالإقامة وانتظار الإِمام غالبًا بخلاف ما بعدها، فإنه في الغالب يتصل بها، فقد يظن أنه منها، وقد ذكر العلماء في السفر خمسة أقوال: المنع مطلقًا، والجواز مطلقًا، والفرق بين الرواتب والمطلقة وهو مذهب ابن عمر. كما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن مجاهد قال: صحبت ابن عمر من المدينة إلى مكة وكان يصلي تطوعًا على دابته، حيثما توجهت به، فإذا كانت الفريضة نزل فصلَّى. والرابع الفرق بين الليل والنهار في المطلقة، والخاص ما مرّ من الفرق بين القبلية والبعدية.
ثم قال: وركع النبي -صلى الله عليه وسلم- في السفر ركعتي الفجر، ورد ذلك في حديث أبي قتادة عند مسلم في قصة النوم عن صلاة الصبح، ففيه: ثم صلّى ركعتين قبل الصبح ثم صلّى الصبح كما كان يصليها. وله من حديث أبي هريرة في هذه القصة أيضًا، ثم دعا بماء فتوضأ ثم صلى سجدتين أي: ركعتين ثم أُقيمت الصلاة فصلّى صلاة الغداة، الحديث. ولابن خزيمة والدارقطني عن سعيد بن المسيب عن بلال في هذه القصة: فأمر بلالًا فأذّن ثم توضأ، فصلوا ركعتين ثم صلّوا الغداة، ونحوه للدارقطني عن عمران بن حصين قال: صاحب الهدى لم يحفظ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه صلّى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها في السفر إلاَّ ما كان من سنة الفجر. قال في "الفتح": ويرد على إطلاقه ما رواه أبو داود والترمذي عن البراء بن عازب قال: سافرت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثمانية عشر سفرًا فلم أره ترك ركعتين إذا زاغت الشمس قبل الظهر. وكأنه لم يثبت عنده، لكن الترمذي استغربه، ونقل عن البخاري أنه رآه حسنًا، وقد حمله بعض العلماء على سنة الزوال لا على الراتبة قبل الظهر.