يعقوبَ عليهما الصلاة والسلام قبل البشير إليه فإليها يستريح كل محزون، وقال ابن الأعرابي أيضًا: إنَّ مهب الدبور من مسقط النِّسر الطائر إلى سهيل، وهي الريح العقيم. وسمِّيت عقيمًا لأنها أهلكتهم وقَطَعَتْ دابرهم. وروى شهر بن حوشب مما ذكره السَّمرقندي عن ابن عباس قال: ما أَنزل الله قطرة من ماءٍ إلاَّ بمثقال، ولا سفوة من ريح إلاَّ بمكيال إلا قوم نوح وقوم عاد. فأمَّا قوم نوح طغى على خُزّانه الماء، فلم يكن لهم عليه سبيل، وعتت الريح يوم عاد على خزّانها، فلم يكن لهم عليها سبيل، وقال غيره: كانت تقلع الشجر وتهدم البيوت. وترفع الظعينة بين السماء والأرض حتى ترى كأنها جرادة، وترميهم بالحجارة فَتَدُق أعناقهم، وعن ابن عباس دخلوا البيوت وأَغلقوها فجاءت الريح، ففتحت الأبواب، وسَفَّت عليهم الرمل فبقوا تحته سبع ليالٍ وثمانية أيام، فكان يسمع أنينهم تحت الرَّمل، واستنبط منه ابن بطَّال تفضيل بعض المخلوقات على بعض من جهة إضافة النصر للصبا، والإهلاك للدبور، وتعقب بأنَّ كل واحدةٍ منهما أهلكت أعداء الله، ونصرت أنبياءه وأولياءه، وعاد هو ابن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه الصلاة والسلام، فتفرعت أولاده، فكانوا ثلاث عشرة قبيلة ينزلون الاحقاف، وبلادها، وكانت ديارهم بالدهناء وعالج ودبار إلى حضرموت، وكانت أخصب البلاد ولمَّا سخط الله تعالى عليهم جعلها مفاوز واعتزل هود نبي الله -عليه السلام- ومَنْ معه من المؤمنين في حظيرة لا يصيبهم منها إلاَّ ما يليِّن الجلود، وتلذُّ الأَعين.
وقال مجاهد: وكان قد آمن معه أربعة آلاف، وذلك قوله تعالى: {ولَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} وفي الحديث: إخبار المرء عن نفسهِ بما فضَّلَهُ الله بهِ على سَبيل التحديث بالنعمة لا على سبيل الفخر، وفيه الإخبار عن الأمم الماضية وإهلاكها.
قد مرّوا، مرّ مسلم بن إبراهيم في السابع والثلاثين من الإيمان, ومرّ شعبة في الثالث منه، ومرَّ مجاهد في أثر أوَّله قبل ذكر حديث منه، ومرَّ الحكم في الثامن والخمسين من العلم، ومرَّ ابن عباس في الخامس من بدء الوحي. ثم قال المصنف: