قال الزين بن المنير في هذه الترجمة إشارة إلى تخصيص حديث أنس الذي قبله بما سوى الصَّبا من جميع أنواع الريح؛ لأن قضية نصرها له أن تكون مما يسر بها دون غيرها، ويحتمل أن يكون حديث أنس على عمومه. إمّا بأن يكون نَصْرُها له متأخرًا عن ذلك لأن ذلك وقع في غزوة الأحزاب وهو المراد بقوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} كما جزم به مجاهد وغيره وإما بأنْ يكون نصرها له بسبب إهلاك أعدائه، فيخشى من هبوبها أن تُهلك أحدًا من عُصاة أُمَّتِه، وهو كان بهم رؤوفًا رحيمًا. وأيضًا فالصَّبا تولف السحاب وتجمعه، فالمطر في الغالب يقع حينئذٍ. وقد وقع في الخبر الماضي أنَّه كان إذا أَمطرت سُرِّيَ عنه. وذ لك يقتضي أن تكون الصَّبا أيضًا مِمَّا يقع التخوف عند هبوبها، فيعكر ذلك على التخصيص المذكور.
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ".
قوله: "بالصَّبا" بفتح المهملة بعدها موحدة مقصورة، يقال لها القَبول بفتح القاف؛ لأنها تقابل باب الكعبة. إذْ مهبها من مشرق الشمس، وضدها الدبور، وهي التي أُهلكت بها قوم عاد. ومن المناسبة كون القبول "نصرت" أهل القبول وكون الدِبور "أَهلكت" أهل الإدبار، وأن الدبور أشد من الصبا. لما ذكر في قصة عاد أنها لم يخرج منها إلاَّ قدر يسير مقدار الخاتم، ومع ذلك استأصلهم، قال الله تعالى: {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ}. وسيأتي قريبًا وصفها, ولما عَلِم الله تعالى رأفةَ نبيَه عليه الصلاة والسلام بقومه رجاء أن يسلموا سلّط عليهم الصَّبا، وكان باردة في ليلةٍ شاتية فسفَّت التراب في وجوههم، وأطفأَت نيرانهم وقَطَّعت خيامهم، فكانت سبب رحيلهم عن المسلمين لما أصابهم بسببها من الشدة، ومع ذلك فلم تُهلك منهم أحدًا، ولم تستأصلهم، ومن الرياح الجنوب وهي التي تهب عن يمين البيت، والشمال وهي التي تهب عن شماله، وأي ريح هبت من بين جهتين منها يقال لها "النَكْباء" بفتح النون وسكون الكاف بعدها موحدة.
ولكل من الأربعة طبع فالصَّبا: حارة يابسة، والدبور: باردة رطبة، والجنوب: حارة رطبة، والشمال: باردة يابسة، وهي ريح أهل الجنة التي تهب عليهم. رواه مسلم. وقال ابن الأَعرابي: مهب الصبا من مطلع الثُّريا إلى بنات نعش. وفي التفاسير: أنها هي التي حملت ريح يوسف إلى